بموافقة مجلس الوزراء الموقر على مشروع "الرؤية المستقبلية للمملكة 2030" التي قدمها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، يكون سمو الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، قد صنع عيدًا جديدًا للمملكة في الخامس والعشرين من إبريل؛ ففي ذلك اليوم رسم الأمير الشاب للعالم أجمع مستقبل المملكة، وخططها الاقتصادية، والتنموية القادمة، وأثبت للعالم أن السعودي قرر أن ينهض بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وقرر أن يقفز من الحاضر إلى المستقبل، والغد المشرق، بخطط وبرامج واقعية، ترتهن إلى حقائق لا تخلو من المكاشفة، والصراحة، والشفافية، والإحصاءات، والأرقام التي يستند إليها دائمًا مجلس الاقتصاد والتنمية.« ولم يكن غريبًا أن يصفها محمد بن سلمان، بأنها رؤية الحاضر للمستقبل، فالعبارة تحمل مدلولاً قويًا، يجسد فهمًا عميقًا وواعيًا من قبل مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الذي يرأسه، لواقع اقتصاد المملكة، وما يدخره الوطن، وما يحفظه في جوف أرضه، وفوقها، من إمكانيات وموارد، وبشر، يمكن من خلالها إحداث التحول الوطني المنتظر لاقتصاد ظل لسنوات يعتمد على برميل النفط لمواجهة التحديات والمتطلبات. فبهذه الرؤية وبرامجها الواقعية، يصنع محمد بن سلمان نقطة تحول خطيرة ومهمة، ويقيم جسرًا قويًا ومتينًا يعبر من خلاله صناع المجد السعودي إلى مرحلة أخرى مختلفة تتجاوز مرحلة الاعتماد على برميل النفط، إلى مرحلة أهم انتظرها السعوديون منذ عقود، وهي الاعتماد على الاقتصاد المتنوع وغير النفطي، تحمل بكل معطياتها بشائر الخير، ومستقبلًا باهرًا لأبناء، وأجيال أرض الحرمين الشريفين. وتمتلك خطة محمد بن سلمان، -وكما يؤكد المراقبون الاقتصاديون- مرتكزات ومقومات نجاحها (عمق ديني عربي وإسلامي، يسانده أكثر من مليار مسلم، ومكانة دولية سياسية، وعسكرية، واقتصادية، مدعومة باستثمارات ضخمة، وموقع جغرافي متميز جعل من المملكة بوابة للعالم ولمختلف القارات)، وفوق كل هذه المرتكزات يأتي طموح شعب يصر على صناعة مستقبل آخر مختلف، بالتوجه للغد دون النظر إلى ما فقده بالأمس. ويرى متخصصون في الشأن السعودي، أن ما يصنعه محمد بن سلمان، اليوم، لا يختلف كثيرًا عن الجهد الكبير الذي بذله جده الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، من أجل صناعة وطن جديد يعتمد على نفسه، وكما فاجأ السعوديون العالم بتوحيد المملكة قبل أكثر من ثمانية عقود، سيصنع السعوديون بخطة محمد بن سلمان، وطنًا آخر جديدًا، بفكر وسواعد الشباب، وخبرة الآباء والأجداد. وتكمن قوة رؤية التحول الوطنى، في إنها لا تعترف بالأوهام والأحلام والوعود الزائفة، ولكنها تنطلق من توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، بضرورة الاعتماد على التخطيط الجيد؛ لتحقيق طموحات وأمنيات الشعب السعودي. وتعتمد الخطة على قواعد وثوابت داخلية، وخارجية، تستهدف – في مجملها – مضاعفة القدرات، عبر آليات مدروسة تأتي في مقدمتها: تحويل أرامكو إلى عملاق صناعي عالمي، وتحويل صندوق الاستثمارات العامة إلى أكبر صندوق سيادي في العالم، وإقامة جيش قوي، يصنع ولأول مرة سلاحه بيده، وإيجاد فرص عمل للشباب، والقضاء على البيروقراطية المعوقة لبرامج التنمية، وتطوير المواطن السعودي علميًا وتعليميًا وإلكترونيًا، بالإضافة إلى الشفافية والمحاسبة الفورية عبر مركز قياس أداء المؤسسات الحكومية ومحاسبتها عن أي تقصير. وكما قال محمد بن سلمان: "سنكون شفافين وصريحين عند الإخفاق والنجاح، وسنتقبل كل الآراء، ونستمع إلى جميع الأفكار"، مؤكدًا أن الطموح ليس تعويض النقص في المداخيل فقط، أو المحافظة على المكتسبات والمنجزات، ولكن بناء وطن أكثر ازدهارًا، يجد فيه كل مواطن ما يتمناه. ولإثبات واقعية ومصداقية رؤية االتحول الوطنى، جعلها ولي ولي العهد التزامًا بينه وبين الشعب، لتكون المملكة دولة قوية مزدهرة تتسع للجميع، ودعا الجميع أن يشاركوه العمل فورًا لإنجاح هذه الرؤية من الآن، دون الانتظار حتى 2030، مؤكدًا أنّ كل من يشارك في البناء سيلقى كل الاحترام والتقدير. وكما حدد محمد بن سلمان مرتكزات وأساسيات "رؤية المملكة" جعل لها ثلاثة محاور مدروسة؛ تضمن تحقيق الأهداف.. وهي: المجتمع الحيوي، والاقتصاد المزدهر، والوطن الطموح، وجميعها تبدأ من المجتمع وتنتهي إليه، أما الأهداف فيتصدرها: استثمار كل مقومات النجاح وتحويلها إلى برامج تنفيذية واقعية تتخذ من كل الرؤية مرجعًا، ودستورًا، ومنهجًا عند التخطيط لأي مشروع مستقبلي، تسخير كل الطاقات لخدمة ضيوف الرحمن؛ لتبقى المملكة رمزًا لكرم الضيافة، وحسن الوفادة، والاستفادة من السياحة الدينية، والتاريخية، والعمل علي تمكين 15 مليون مسلم على الأقل من أداء العمرة سنويًا، مع جعل المملكة أكبر متحف إسلامي في العالم. ومن الأهداف أيضًا بناء مجتمع حيوي، سليم صحيًا واجتماعيًا ونفسيًا، يشعر بالسعادة والرضا عما يقدم له من خدمات، بشكل عام وترفيهية بشكل خاص. ويعتبر خبراء الاقتصاد، دعم الرؤية للقطاع الخاص، وتشجيعه، عنصرًا مهمًا من عناصر نجاحها وتنفيذها بشكل جيد لما يملكه القطاع الخاص من خبرة في مختلف المجالات الاقتصادية، والإدارية، والمؤسسية، إضافة إلى خبرته في إطلاق المشروعات الصغيرة، والمتوسطة، التي ستساهم في خفض معدل البطالة من 11% حاليًا إلى 7%، ورفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل من 22% إلى 30%، ونقل الاقتصاد السعودي من المرتبة (19) إلى المرتبة (15) على مستوى العالم. ويتفاءل الخبراء كثيرًا، بتخصيص الأصول المملوكة للدولة، مؤكدين أن هذه الخطوة سترفع من حجم الموارد المالية للدولة، وبالتالي تقليص عجز الموازنة، وتنويع الروافد الأساسية للاقتصاد، مشيرين إلى أهمية هذا التنوع، وخاصة في مجال الطاقة بالاتجاه نحو الطاقة الجديدة والمتجددة (الشمس والرياح)، إضافة إلى تعديل بعض الأنظمة والقوانين، وتحسين بيئة الأعمال، ورفع حجم الشراكة بين القطاعين العام والخاص للاستثمار في التعليم والمجالات الأخرى، وغيرها من الإجراءات الإيجابية الرامية إلى تشجيع الاستثمار المحلي، والأجنبي، وتحويل المملكة إلى مركز عالمي ضخم للتنافسية، بعد إعادة هيكلة المراكز المالية، وتأهيل المدن الاقتصادية، والمناطق الصناعية، وإنجاز الأولويات الوطنية.