شدد الإعلامي والناقد الرياضي عبدالله الضويحي على أن مواجهة ظاهرة التعصب الرياضي لا يمكن أن تواجه إلا بفكر قوي وبناء يقوم بمحاولة تنظيف للعقل لحمايته ولو جزئيا من هذا السلوك؛ لأن صاحب هذا السلوك يشعر داخله أنه على حق وغيره مخطئ مؤمنا بذلك ومدافعا عنه ورافضا أيضا لما سواه. جاء ذلك في ندوة نظمها البرنامج الوطني الوقائي "فطن" لحماية الطلبة من الانحراف الفكري والسلوكي بالتعاون مع جمعية الثقافة والفنون بعنوان "التعصب الرياضي والأمن الفكري" في حين أدار هذه الندوة أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود والمشرف العام على المركز الإعلامي ل"فطن"الدكتور تركي العيار. هذا واستأنف الضويحي حديثه عن التعصب الرياضي موضحا أن هذا المصطلح لم يظهر إلا في العقدين الأخيرين مع ظهور الإرهاب تقريبا وهو مأخوذ من العصب والحمية لما ينتمي إليه المرء، مؤكدا أن التعصب بشكل عام هو شعور داخلي يجعلك دائما ترى نفسك على حق وغيرك مخطئ مصحوبا بإيمان قوي ودفاع مستمر ورفض لما يخالفك. وأشار الضويحي إلى أنه وعلى الرغم من ظهور القليل من المفاهيم تجاه معنى التعصب إلا أن العملية نسبية؛ لأن ما تراه أنت في بلدك تعصبا قد يراه غيرك في بلده اعتزازا وانتماء وهذه العملية تخضع للعادات والقيم المتعارف عليها كل حسب بلده وبيئته. وبين الضويحي أن التعصب له تأثير واضح على الفكر ويساهم بانحرافه، لذلك كان لزاما علينا مواجهته فكريا، مشيرا إلى أن الفكر هو عملية إعمال الخاطر لمخزون في الذاكرة من الثقافات والمبادئ والقيم، لافتا إلى أهمية تأمين هذا الفكر وحمايته حتى لا ينعكس أثره السلبي على المجتمع، وهذا ما جعل الأمريكان ينشئون مجلس الأمن القومي عام 1974بعد الحرب العالمية الثانية خوفا من تكرار هذه الحرب التي أنهكتهم ودمرتهم. ونوه الضويحي الى أن المتعصب يستخدم ثلاث نظريات لتعزيز تعصبه، وهي: التعرض الانتقائي حيث يختار من البرامج والمعلومات ما يعزز تعصبه، كذلك الفهم والاستيعاب وهذا يظهر جليا حين توجه سؤالا لعدد من الأشخاص تجد أن أغلبهم يفهم السؤال بطريقة مختلفة غالبا ما تعزز ما ينتمون ويتعصبون له دون موضوعية في الإجابة، أيضا التذكر الانتقائي من أبرز النظريات التي تعزز هذا التعصب بحيث يغفل المتعصب كل ما يناقض تعصبه. وحذر الضويحي من خطورة انتقال التعصب من الفرد للمجموعة خصوصا مع وجود وسائل الاتصال الحديث مما يشكل خطرا على المجتمع وخير دليل على ذلك حادثة هيسيل الشهيرة التي راح ضحيتها قتيل في مباراة بين ليفربول ويوفنتوس وحادثة ال100 يوم حرب الشهيرة بين الهندوراس والسلفادور والتي قامت بعد مباراة تصفيات كأس العالم عام 1970، وحادثة بورسعيد الشهيرة والتي راح ضحيتها 74 شخصا. وذكر الضويحي بعضا من الطرق التي تساهم في حل مشكلة التعصب بدءا بالإيمان بالله واستحضار أن الأمن مرتبط بالإيمان ومن ثم احترام المبادئ والقيم، مرورا بالمنزل والتعليم وما يتحملاه من مسؤولية كبيرة في تثقيف النشء، كذلك التوعية المنهجية لكل قطاعات الدولة تساهم في الحد من انتشار هذه المشكلة، مؤكدا أنه لا يمكن إغفال دور الإعلام في ذلك بالرغم من أن أكثره يسوق لبضاعته ولا يرى أن له دورا في توعية المجتمع. من جهته أكد الإعلامي المعروف رجاء الله السلمي – المشرف على الإعلام والنشر برعاية الشباب – أن الاعتراف أساسا بوجود ظاهرة التعصب الرياضي يعد أيضا مشكلة برأيه حيث يجعلنا كمتناولين لهذا الموضوع معززين لها ولا نساهم في إلغائها من مجتمعنا، منوها إلى أننا لم نصل ليومنا هذا لمفهوم واضح لننطلق نحوه في مواجهته. وربط السلمي ظهور التعصب الرياضي بتطور وسائل الإعلام وتنوع مواقعه مؤكدا على أن متابعة الرياضة في مجتمعنا تجاوزت هدفها السامي كونها تسلية وترفيها لإخراج الفرد من محيطه المليء بالهموم والمشاكل، بل باتت تسيطر على مشاعرهم وتؤثر في مسار حياتهم اليومية، إضافة على ذلك تحولت الرياضة إلى نشاط تجاري صرف بعيد عن الروح الرياضية. وألقى السلمي باللائمة في تغذية التعصب الرياضي على بعض الصحف التي تختار عبارات ملحمية وتدل على القتال والمعارك حتى تشعر بأنك ستشاهد معركة وليس مباراة كرة قدم، واصفا هذا النوع من الإعلام بأنه منطلق للتعصب خاصة المؤسسات الخاصة منه لغياب مقص الرقيب عنها بخلاف المؤسسات الحكومية التي لا تزال محاطة بأعين الرقيب، متهما الإعلام الخاص بأنه يسعى للاستقطاب فقط دون تحري المصداقية والموضوعية. وأضاف السلمي أنه على الرغم من ذلك فإن الجمهور الرياضي في الوقت الحالي يملك وعيا وإدراكا كبيرين يجعلهم بمنأى عن تهمة التعصب الرياضي، فتجدهم ملمين بكافة الجوانب الفنية للمباريات دون الحاجة لسماع خبراء أو محللين. وشدد السلمي على أهمية المسؤولية الاجتماعية في ضبط مثل هذا السلوك، بحيث لا يمكن أن تكون هناك حرية مطلقة حرية إعلامية منضبطة ومسؤولة. هذا وطالب السلمي باشتراط رخصة مزاولة مهنة الإعلام الرياضي لمحاولة الحيلولة دون ظهور من يسعى لتغذية التعصب عبر البرامج الرياضية. ويأتي تنظيم هذه الندوات في إطار تعاون مشترك لبرنامج فطن مع الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون، حيث تم الاتفاق بينهما على إقامة ندوة أسبوعية كل يوم ثلاثاء بمقر الجمعية لتسليط الضوء على الجهود التي تبذلها "فطن" لوقاية النشء والطلاب وتحصينهم من الانحرافات والتطرف الفكري والسلوكي وذلك من خلال عدد من الخطط والآليات التي اعتمدها البرنامج. يذكر أن اللجنة المنظمة للندوة خصصت أماكن للنساء، والدعوة عامة.