يتحدث عن أن اختلاف الأمة رحمة، ووجوب العدل والإنصاف عند الاختلاف ويحذر من الفجور في الخصومة بل ويخطب الخطب الرنانة والمحاضرات المذاعة على مرأى ومسمع الملايين، حتى إذا قدم من يقول برأي خلاف السائد ارعوى وأزبد وخرج عن طور الأخلاقيات المفتلعة بأخلاقيات فرعون "أنا شيخكم الأعلى". وبعد النزول من المنبر ينبري للمخالف: من أنت؟ وأي شهادة تحمل أنت؟ وعلى يد من تعلمت؟ أنت شخص غير معروف في الوسط الفقهي، ولا تحمل "تزكية علمية". وخرج عن الموضوعية إلى الشخصنة المتفرعنة. وما هي إلا لحظات حتى يحضر الدعم اللوجستي من قوائم الرموز، يُلبُّون نداء النصرة إيذاناً بحرب "داعشية" مستعرة على هذا المخالف الهالك. هذا هو حال عقلائهم، وهم مع هذا محترزون -علناً- من فظاظة القول ليتركوا البقيّة لمن ليس له تقيّة. هنا الأتباع يقرؤون الشفرة التي تعني: "انطلقوا". وعلى بركة الشيطان يبدأ القطيع في السباق الماراثوني في صنوف السباب، ليحظى الأسفه برضا الأفقه! وكأنك ترى التطبيق الأمثل للمثل الشعبي "مجنون موصى". تختلف حصيلة الإصابات على حسب المخالف من حيث اللون والجنس والصفات الشكلية والفكرية والمناطقية. وتختلف كذلك بحسب الظروف المحيطة الآنية، وكذلك فإن للأجواءالمناخية دورها أيضا. حيث تطيش ألباب تجار السباب أكثر مع حرارة الجو وتنكمش "عقولهم" في البرودة، فهي ما بين مغادرة وبين متناهية فلا توجد في كلتا الحالتين. فحين يكون المخالف أسود اللون فلن يجد الشاتم غضاضة في أن يعود للعصر المظلم ليستحضر الجاهلية الأولى في نعته "يا ابن السوداء" فيرد المكلوم "بلال حبشي" ليرميه آخر:"الله يرحم فيصل". وتحضر النظرة الدونية لناقصات العقل والدين حين يكون المخالف "نون النسوة"، حتى لو كانت ذات علم وفقه. في هذا الجانب بالذات لن يجد المناكف الذكوري أدنى صعوبة لاستدعاء ما لذ وطاب في التقريع بمقامع الموروثات المغلوطة، وأقربها: "حبائل الشيطان" و"المطبخ أصرف لك". و"ما بقي إلا حريمنا يعلمونا دينا". فإن لم يكن كذلك نظر إلى الصفة الشكلية "من شفت وجهك وانا غاسل يدي"، و"شين وقوي عين" وأضرابهما. أما الفكرية، فإن كان المخالف "حزبي" فالوضع هنا يتباين من حيث اتجاه بوصلة الحزبية. فيكون المناكف بمنزلة "الصدر" أو "العجز" من البيت الشهير: وعين الرضا عن كل عيب كليلة ** ولكن عين السخط تبدي المساويا فإن كان تصنيفه من أصحاب "صدر البيت" فله حينئذ سعة الصدر وغض الطرف كما حصل لدعاة أجازوا الاحتفال ب"عيد الميلاد" وكشف وجه المرأة ومرت مرور الكرام. وإن حصل ذلك المخالف على تصنيف "عجز البيت" فإن له السخط والويل والثبور وعظائم الأمور. ونضرب مثلاً لمسألة واحدة أفتى بجوازها شيخان مختلفان أحدهما "صدر" والثاني"عجز". فقد أفتى الشيخ عائض القرني بأن "كشف الوجه جائز والأمر فيه واسع وهي فتوى عند الشافعية والأحناف والمالكية"، بحسب ما نقلته صحيفة "الحياة" في 15-9-2009.وفي العام المنصرم ظهر الشيخ أحمد الغامدي بنفس الفتوى بيد أن ردود الفعل كانت متباينة إلى حد مهول. ففي الحالة الأولى "عدت ومرت" ولم يكن لها ذلك الصدى الواسع كما هو في الحالة الثانية. في الحالة الثانية ظهر العدوان الشنيع على شخص الغامدي بأقذع ألوان السب واللعن وآخر ما اخترعه السوقة من الشتم والتشكيك في الرجولة والنيل من العرض واستعداء السلطة. حتى إن أحد كبارهم طالب بتعذيبه. والأدهى؛ ما حصل له من التهديد بالقتل، ونال أهله وأولاده صنوف الهمز واللمز، ونُشرت "البرودكاستات" ضده، وأنشئت المقاطع التهكمية، وعقدت المحاضرات في هذه المسألة، وألقيت الخطب تفسيقا وتبديعا ورميا بالنفاق. ومما ادعوه أنه يعمل لتقويض دين الإسلام، والعمل لصالح جهات مشبوهة داخلية وخارجية. لقد وقع هؤلاء في منكرات أعظم وأشنع مما ذهبوا إليه. لقد شهد القاصي والداني ما حملته قضية الخلاف مع الشيخ الغامدي، واكتشف الرأي العام أن بعض الأوساط الفنية ليست هي وحدها من يعاني من الفساد الأخلاقي بل كذلك بعض الأوساط الدينية – وللأسف -. وتكمن الكارثة في أن تكون الحمية للدين والنصرة للشرع هي المسوغ لهؤلاء في استخدام راجمات القذف والتشنيع للمخالف حتى وإن كان مؤمناً ظاهره الصلاح أو مسلماً يتترس بالشهادتين. عزيزي بذيء اللسان؛ من الذي أوحى لك أن في الفجور أجور، عرضها كعرض السموات والأرض؟ رابط الخبر بصحيفة الوئام: وفي الفجور أجور