في أعقاب هذا الحدث المثير للجدل والموقظ للانتباه، نعيش لساعات بتلهف شديد لنسمع الكلمة الأخيرة التي سيضعها بين أيدينا الدكتور عائض القرني عن مدى ملابسات القضية التي جرّته إليها الكاتبة سلوى العضيدان وذلك بعد أن طالت هذة الدعوة العلنية كافة وسائل الإعلام وغالب الصحف الورقية منها والإلكترونية. ومع هذا التفتق المهيب لهذة القضية، ستدر بلا شك على الفائز بجولتها بالخير المنيف وعلى الخاسر بالسحق العنيف، ويا لفوز من نجى ويا لعار من خسر! كيف لا تكون كذلك وهي ممارسة غير شرعية تقصم ظهر الأمانة العلمية المترقبة من كل كاتب وكاتبة ومثقف ومثقفة بل بين العوام المدركين لحقوقهم وواجباتهم. نعيش هذة الأيام ويكثر الزبد حول سرقات الجهود ويزداد مستوى الانتقاد، فهناك من يزعم بأن الدكتور سرق نحو 91% من كتابه، وهناك من يرد بأن الزاعم سرق قبل ذلك من كتاب الدكتور، وهناك من يعيش بين كماشتي البحث في الماضي والتنقيب عن الأحداث السابقة ومقابلتها بما نعيشه اليوم من أحداث، ولعلي أكون من أولئك المهتمين بما حدث وأطرح بعض النماذج التي خلدها لن التاريخ عن السرقات العلمية الشهيرة، ومنها ما يلي: -الروائي والشاعر الإنجليزي الشهير وليام شكسبير (1564-1616) ورد عنه أنه سرق أغلب حبكات قصصه التاريخية من كتاب حكايا للروائي الإنجليزي الشهير هولينشيد (المولود 1529- المتوفى 1580) وذلك عقب استخدام شكسبير النسخة الثانية المنقحة لهولينشيد والمنشورة سنة 1587م وذلك كمصدر أساسي ومورد أوليّ لأغلب مسرحياته التاريخية والتي ساهمت في نشر أكثر أعماله على نطاق عالمي، كمسرحية ماكبث وبعض من تراجيديا الملك لير ومسرحية سيميلين المؤداه سنة 1611م. -الشاعر والروائي الآيرلندي الشهير أوسكار وايلد (1854-1900) ورد لأكثر من مرة أنه يسرق قصائده، فقد جمع قصائد حينما كان عمره 27 سنة ونشرها في كتاب أسماه “القصائد” والذي نفدت طبعته من أول إصدار وكانت آنذاك 750 طبعة، مما كلفه ذلك طلب نُسخ أخرى في عام 1882، استوقفته عندها مطالب المسؤولين ليتعرض الكتاب لاتهامات منددة وشديدة من أهمها إتهام جميعة إتحاد اكسفورد. ومن شدة انتشار سرقته العلمية تم طباعة الكتب دراسة لسرقاته من أهما كتاب منشور ومطبوع بعنوان “سرقات اوسكار وايلد العلمية” وذلك بسعر 52 دولار، لشرائه اضغط هنا -المؤلف البريطاني الشهير جراهام سويفت (المولود عام 1949) والحاصل على جائزة بوكر لعام 1996 لرواية “الأوامر الأخيرة” اصبح جدل الكثير من الناس بعد أن قام بتقليد مباشر وسافر لعمل أدبي سابق هي رواية “عندما استلقي ميتا” المنشورة عام 1930م للمؤلف الأمريكي وليام فولكنر والتي ألفها فولكنر في ستة أسابيع على حد قوله ولم يغير في مراجعتها كلمة واحدة. واعترف سويفت قائلا بأنها صدى لرواية فولكنر وكتب اعترافا بذلك. -رسالة الدكتوراة\الجامعية للناشط الشهير مارتن لوثر كنغ (1929-1968) تم الإقرار بأن أجزاء منها مسروقة سرقة علمية واضحة وذلك بعد وفاته بعشر سنين. -الفنان الشهير والجيتاري على اسلوب الروك جورج هريسون المتوفي عام 2001 تم اتهامه بسبب تقليده التام في أغنية “إلهي الجميل” والتي كانت مشابهة لأغنية “هو بخير” لفرقة الشيفون المؤداة لعام 1963م، ورغم أنكار تعمده لسرقتها إلا أن القاضي حكم عام 1976م على جورج هريسون بغرامة قدرها مليون ونصف دولار. -الكاتب الأمريكي الأفريقي الإلكسندر موري هالي (المتوفي سنة 1992) والمؤلف لكتابه الشهير الجذور ولكتاب آخر عن سيرة مالكولم اكس، أما كتابه الجذور المنشور عام 1977 فقد كان مثار الشك والريبة بين الناس، وذلك بعدما حصد من جراءه على جائزة بوليتزر المرموقة وميدالية سبينغارن، وقد أدى ذلك إلى اتهامات له بالسرقة العلمية بعد ذلك بسنة! فقد قام المؤلف هارولد كورلاندر بمحاكمة هالي عام 1978م بسبب سرقته ل 81 مقطعا من روايته (كما تفعل العضيدان بالقرني)، الأمر الذي حدا بهالي لتسوية الأمور بمبلغ 650 ألف دولار! رغم انكار هارلي إلا أنه اقر بأن هناك أجزاء قد أخذت من رواية “الأفريقي” لكورلاندر، وبذلك قدم ورقة يعترف من خلالها بالسرقة ويتعهد بعدم تكرار التجربة. -أنتوني روبنز الأشهر في العالم كأبرز الكتاب عن تطوير الذات وتحسين الأداء ومن أشهر كتبه كتاب قوى غير محدودة وكتاب أيقظ العملاق بداخلك والذي حقق أعلى مبيعات وقت صدوره (ككتاب لا تحزن للقرني)! تم اتهامه وتم الإقرار بأنه خالف حقوق الطبع لكتاب ويد كووك ما جعل محكمة بواشنطن تقضي عليه بدفع مبلغ 650 ألف دولار! بل ساهم ذلك إلى تقليل شعبيته، ففي فبراير 2009 وعقب أن أعلنت شبكة الإن بي سي عرض برنامج على شكل مسلسل توجيهي وتطويري بعنوان “اكتشافات مع انتوني روبنز”، قامت الشبكة بإيقاف عرضها للمسلسل والبرنامج (والذي كان مخطط لعرض الست الحلقات الكاملة منه) بعد أول عرض حلقتين منه وذلك بسبب قلة المشاهدين وخسارة القناة بعض مشاهديها. -وغير ذلك الكثير من الأمثلة كالأميرة زوجة مايكل أوف كينت حفيد الملك جورج الخامس، وعضوة الأسرة الملكية البريطانية، قامت بتأليف العديد من الكتب من أبرزها كتاب صور العرائس الملكية الثمانية والذي اتهمت فيه بالسرقة العلمية، وكذلك جايسون بلير المراسل الأمريكي الشهير مع التايمز نيويورك، اتهم بسرقة مقالة بواقع 7239 كلمة، الأمر الذي حدا بالجريدة أن تطلب استقالته بعد أن ترك نقطة سوداء على حد زعمها في تاريخها المشرف لمدة 152 سنة هذة القصص والنماذج السابقة ليست خيالية بل خضعت لسلسلة طويلة من التحقيقات والجدليات والإنكارات، وجلبت صدى واسع وقت نشوبها. وهذة الحادثة الجديدة التي طفت على السطح في مجتمعنا ستكون نسخة كربونية لما سبق، وستحدث بلا ريبة صدى واسعا لسببين: السبب الأول أنها ستكون من مقبل الدكتور عائض القرني المعروف بكتاب “لا تحزن” في الوطن العربي، والسبب الثاني أنها ستكون بقلم أحد الرموز الدينية في الوطن الإسلامي ممن يحسبون على طاقم الصحوة بالبلاد، وقد يؤدي السبب الثاني إلى نشوب حرب شعواء وحملة ضارية ضد التيار الإسلامي والتنكيل به بسبب عدم إجادته للتعامل مع متطلبات العصر العلمي الحديث. أما توقعاتي الشخصية لظروف هذة القضية وظهورها فأقدّر بأن الدكتور القرني ونظرا لكثرة انشغالاته وبحضوره الإعلامي الواسع استعمل أحد المؤلفين ممن يثق بأدائهم ومعرفتهم ومقاربة اسلوبهم لاسلوبه ليكتب له كتابا بعنوان “لا تيأس” وكان من مغبة الشيخ أن كان هذا العامل يعتمد في كتابته على مصدر يتيم يستنزفه كان كتاب “هكذا هزموا اليأس”، وبذلك حدثت المُلابسة. وقد يكون السبب الآخر ي أن الشركة الناشرة لكتاب الشيخ قد قامت بشراء أحد الكتب من أحد المؤلفين وعرضت على الشيخ أن يسمي الكتاب باسمه رغبة في ترويج الكتاب وإشهاره، وحدثت الطامة اللامعهودة. أما إن لم تصح الروايتين، واتضح وتبين أن الشيخ قد قام بكتابة الكتاب بنفسه وقام باستعمال كتاب السيدة سلوى بما أشارت به في الأخبار الأخيرة، فإن على القرني الرضوخ للمسائلة القانونية العلمية وستكون هذة الحادثة مع بالغ الأسى منعطف حاد وجريء في تاريخ الشيخ وقد تلعب دورا بارزا في تراجع حضوره وقبوله لدى المثقفين من الناس. متعب القرني الولاياتالمتحدة الأمريكية