في عام 1990 وعلى إثر اجتياح جيش صدام حسين للكويت وتهديده للسعودية، فتحت السعودية أبواب معسكرات جيشها وحرسها الوطني لتدريب عشرات الآلاف من أبنائها الذين انخرطوا طواعية في تشكيلات شعبية للدفاع عن وطنهم. لم تكن هذه هي الحالة الأولى، إذ سبق أن فتحت المملكة باب التطوع الرسمي خلال الحروب العربية الإسرائيلية مرات عدة، لكن ذلك اليوم كان مختلفاً فالعدو أصبح قاب قوسين أو أدنى من تراب الوطن، ومن لا يتذكر مناظر الشباب المهيبة وهم في طريقهم إلى معسكرات التدريب وميادين الرماية. لم يتوقف المشهد على ذلك، بل مكنت القيادة السعودية «بناتها» من التدريب في مراكز الدفاع المدني والمستشفيات والقطاعات الطبية العسكرية الأخرى، لتأهيلهن على وظائف الإنقاذ والإسعاف والتمريض، ليقفن مع إخوانهن في ذلك الحدث الجلل. التقط غازي القصيبي قلمه من جديد، وفتح «مدفع» كلماته ومعانيها في مقالاته الشهيرة «في عين العاصفة»، كان -رحمه الله- جيشاً لوحده، وصدح محمد عبده بأشهر أغنياته الوطنية التي ألهبت المشاعر وأججت حب الوطن في النفوس، وكتب الشعراء أجمل قصائدهم. كان المناخ العام مناخاً وطنياً بامتياز، وقتها انخرط الجميع في معركة حماية الوطن بوجوده وتاريخه ومستقبله. صحيح أن الحركيين وفلول الإخوان نأوا بأنفسهم، واتخذوا من التحالف الدولي ذريعة لهز الجبهة الداخلية، وتأليب الناس وتحريضهم، والانقضاض على الحكم، لكن تأثيرهم ظل في حدود ضيقة، وبقي معظم الناس في صف دولتهم. اليوم، ونحن على أعتاب حرب إقليمية كبرى قد تختلف أو تتشابه مع حرب تحرير الكويت، إلا أن تداعياتها قد تكون أشد وأخطر من تلك الحرب. يبدو من الضروري فتح الباب واسعاً أمام الشبان والشابات للتطوع مرة أخرى دفاعاً عن وطنهم. فكثير من «الداعشيين السعوديين» لا يخفون رغباتهم الدموية، ولا مخططاتهم الإجرامية في حق السعودية، وبعضهم لا يزالون يختبئون في زوايا المدن والقرى ينتظرون اللحظة السانحة للانقضاض على الوطن من داخله. كما أن انشغال السعودية بحدودها الشمالية قد يغري القاعدة، أو المليشيا الحوثية المنتشرة في اليمن لتنفيذ عمليات إرهابية، أو تكرار تجاربهم في اقتحام الحدود السعودية ثانية. ولنعد إلى تجربة «الجيش الشعبي» السعودي أو ما أطلق عليها قوات «التطوع» التي تشكلت عام 1990، فقد كانت مهامها مساندة قوات الأمن العام الداخلي في تحقيق وضبط الأمن، والعمل في نقاط التفتيش المنتشرة في المواقع الحيوية، وكذلك مرافقة الدوريات الأمنية في القرى والهجر النائية لحماية المناطق الحدودية من أي اختراق، إضافة إلى جاهزيتهم لأي مساندة قد تتطلبها ظروف الحرب. لقد عاد المتطوعون إثر انتهاء الحرب إلى بيوتهم وأعمالهم ودراستهم، ولم يأخذوا من تلك التجربة إلا الوطن في قلوبهم. يبدو أن تحديات اليوم أعمق وأكبر وأخطر من السابق، والحاجة أصبحت ملحة لإشراك الناس في الإحساس بمسؤولية الأمن وجسامة الأخطار على مستقبل وطنهم وأمن أبنائهم وبناتهم، وأن يكون مشروعنا الحالي هو بث الوطنية والحماسة في وجدان الشباب الذين تكاد تتخطفهم أجندات «الإخوان» من جهة وتطرف ودموية «داعش» من جهة أخرى. رابط الخبر بصحيفة الوئام: جيش شعبي سعودي