أكد إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور سعود بن إبراهيم الشريم خلال خطبة الجمعة اليوم على ضرورة الترابط والتلاحم بين أبناء الأمة الإسلامية والمساواة بغض النظر عن اللون والعرق. أوضح إمام وخطيب المسجد الحرام أنه لا يمكن أن يتحقق في الأمة الإسلامية معنى الجسد الواحد وهي لا تعرف المساواة، كما أنها لا يمكن أن تبلغ درجة الرفعة والتمكين والفلاح إذا كانت تفرح وبعضها يبكي بفقدان ما فرحت به، وتشبع وجارها جائع، وتروى وقريبها ظمآن، وتلبس وشريكها في الدنيا عريان. كما قال فضيلته: «إنه في خضم هذه الحياة وصروفها وتهافت أهلها في جمع حطامها هم أحوج ما يكونون فيها إلى التقارب لا التباعد والتعاون لا التخاذل والنصرة للإسلام وأن تقرب بينهم الأخلاق قبل المصالح؛ فالناس يفتقرون إلى تعاطف القلوب وتوادها قبل أن تحكمها لغة أو أرض أو جنس أو لون». أضاف: «إنهم بأوضح عبارة بحاجة ملحة إذا ما عطس أحدهم بالمشرق أن يشمته أخوه في المغرب، وإذا مرض فقيرهم عاده غنيهم، وإذا ظُلم ضعيفهم نصره قويُّهم، فتلكم- عباد الله- هي المواساة التي تنشدها كل أمة تدرك قيمتها وتعض بالنواجذ على أس اجتماعها وجعلها لحمة واحدة لا تتفتت أبداً؛ فالمواساة شعور عاطفي نبيل ينبئ عن صفاء معدن المتصف به، وأن أي مجتمع يتوافر فيه هذا الشعور ليحق له أن يكون جسداً واحداً يتناوب التعاطف والتواد والتراحم على رعايته ليصبح في مأمن من الغوائل والأثرة التي تقطع ذلكم الجسد إلى أشلاء شذر مذر». كما شدد على أن بلادة القلوب عن المواساة تعد محنة ماحقة تحترق في سعيرها الفضائل ويوأد في ترابها التواد والتعاطف، والخاسر دون شك هو مجموع الأمة أفراداً وجماعات؛ فالمجتمع الموجب هو من استوى على سوقه روح المواساة، وإلا فهو مجتمع سالب صرف، مبيناً أنه لا مانع من توطين النفس وقصرها على حب الفضائل والشعور العاطفي تجاه الآخرين بسد الخلل وستر الزلل وقبول العلل ومد يد الخير لمن مد للخير يده وإعطاء السائل وابتداء العفيف الذي لا يسأل الناس إلحافاً. وقال فضيلته: إن من الغلط الفاحش قصر مفهوم المواساة على الجانب المالي أو القدرة عليه فحسب، بل هي شعور قلبي قبل أن يترجم إلى مال وإحساس عاطفي قبل أن يمتد إلى الجوارح، ثم إن من المواساة ما لا يفتقر إلى المال؛ فالمسح على رأس اليتيم لا مال فيه واتباع الجنائز لا مال فيه، وعيادة المريض لا مال فيها، والتبسم في وجه أخيك المسلم لا مال فيه، وتعزية المصاب لا مال فيها، وغير ذلكم كثير من أبواب المواساة التي تفتقر إلى القلب الحي النابض بالشعور تجاه الآخرين المدرك عاقبة المواساة، وأنها سائق ودليل إلى جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر. ورأى فضيلته أن من العجب أن يكون في أمة الرحمة قساة قد طمسوا مفهوم المواساة من قواميسهم حتى ماتت قلوبهم؛ فلا يئنون لمتألم ولا يتوجعون لمستصرخ ولا يحنون على بائس؛ قد قست قلوبهم وبغضت أكبادهم، في حين أن الواجب على الأمة المسلمة أن لا تعظم الدنيا ودينارها ودرهمها وتغفل عن يتيمها وذي المتربة فيها؛ حتى لا تستعبدها معاني الانحراف في النظرة إلى المال والحياة والعاطفة تجاه الغير؛ لأن مثل ذلكم كفيل في أن يكنز الغني مالاً؛ فيكنز الفقير عداوة؛ فلا يأخذ القوي حينئذ بيد الضعيف، ولا يشد المقتدر من أسر العاجز؛ فيضيع الضعفاء المعوزون وسط الزحام، ثم تسحقهم أقدام القسوة والتغافل المقيت، لافتاً إلى أن أمة هذه حالها لا يمكن أن تغلب عدوها لأنها لم تستطع قبل ذلك أن تغلب هواها وشهوات نفسها. كما حث «الشريم» المسلمين على المبادرة إلى إذكاء مفهوم المواساة في مجتمعاتهم بالتوجيه والقدوة من خلال العمل التطوعي والخيري فرداً وجماعة، وعبر الأوقاف والوصايا والجمعيات التعاونية، وقال: «لتكن الدنيا في أيدينا لا في قلوبنا، ولنستحضر كل حين أن من منحنا البسمة قادر على أن ينزعها منا، ومن وهبنا المال قادر على أن لا يبارك لنا فيه». وأشار فضيلته إلى أن خلق المواساة خير معين على النوائب وعلى كفكفة الدموع فيها ودفع الغصة عنها؛ ليتم رص بنيان المجتمع ورفع فتوقه وزيادة ثلمته لحمة واتحاداً وتعاضداً، والمرء في حياته ليس مبرأً من الشكوى؛ إذ هي من سمات الحياة وعيشها، غير أن هذه الشكوى تحتاج إلى صاحب مروءة يواسي ذا الشكوى، ومع هذا كله فإن المرء المبتلى مأمور إذا عز وجود المواسي أن يثق بالله رب العالمين؛ فهو سبحانه رب المواسين وأرحم الراحمين، وأنه ربما أخذ منك لأجل أن يعطيك ومنعك ليحميك من ضرر ما منعك عنه، فإن لم يكن هذا ولا ذاك فإنها رفعة في الدرجات وتكفير للسيئات، وأن من عجز عن مواساتك بماله فلن يبخل عليك بلسانه فيسليك بلفظه أو يتوجع لك بقلبه؛ فتشعر أنك لست في الهم وحدك، وأن هناك من يبكي لبكائك ويحزن لحزنك. وفي المدينةالمنورة دعا فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ علي بن عبدالرحمن الحذيفي الناس إلى التفكّر في الحياة الدنيا وأخذ العبرة من المصير الذي آلت إليه الأمم السابقة، مبيناً أن الباري- سبحانه وتعالى- جعل هذه الدار الدنيا دار عمل، لكلٍّ فيها أجل، وجعل الآخرة دار جزاء على ما كان في هذه الدار من الأعمال، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر. كما حذّر الشيخ الحذيفي من الانغماس في الشهوات والملذات، والابتعاد عن العبادات والطاعات، مورداً قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى}. وقال فضيلته: إن الله أعان الناس على ما خلقوا له من العبادة، بما سخر لهم من مخلوقات، وما آتاهم من الأسباب، لقوله سبحانه: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً}. كما بيّن «الحذيفي» أن الإنسان إذا تفكر واعتبر وعلم ما منّ الله به عليه من عطاياه وهباته، وما خصّه الله به من الصفات والسجايا، والتمكن من عمل الخيرات، وترك المحرمات، وعلم أن الدار الآخرة هي دار الأبد، إما نعيم مقيم وإما عذاب أليم، إذا علم الإنسان ذلك حفظ وقته، وحرص عليه، وعمّر زمن حياته بكل عمل صالح، وأصلح دنياه بالشرع الحنيف، لتكون دنياه خيراً له ولعقبه، ولتكون حسنة العاقبة، وأنه لا خير في دنيا امرئٍ لا يحكمها الدين القيم، ولا بركة بحياة دنيوية لا يهيمن عليها دين الله عز وجل، قال تعالى: {مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً}. وتساءل فضيلته قائلاً: هل تشك أيها العاقل أن الحياة الدنيا متاع زائل، ونعيم حائل؟ إن كنت في غفلة عن هذا، فاعتبر بمن مضى؛ ففي ذلك عبرة لأولي النهى. وإذا تبين لك أيها المكلف قوله تعالى: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} فاعمل للآخرة التي تبقى، واجتهد لتفوز بالنعيم الذي لا يحول ولا يزول، ولتنجو من نار حرها شديد، وقعرها بعيد، وطعام أهلها الزقوم، وشرابهم الحميم والصديد. كما أوصى فضيلته باتباع سنة المصطفى- صلى الله عليه وآله وسلم- وهديه القويم، وعدم الركون إلى الحياة الدنيا ونعيمها الزائل، مستدلاً بما رواه أنس- رضي الله عنه- عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً ثُمَّ يُقَالُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْراً قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْساً فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ فَيُقَالُ: لَهُ يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْساً قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ وَلَا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ». واستطرد فضيلته، مبيناً أنه لا يُنال ما عند الله من الخير إلا بطاعته، مذكراً بأن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة، وأن مدة عمر المكلف هي التجارة التي يفلح فيها إن وظفها في الخيرات، أو يشقى بها إن ضيعها في اللهو والمحرمات، مشيراً إلى أن أولى الناس بالحياة الطيبة، والحياة النافعة المباركة من عمل في حياته بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي هو أكمل هدي، كما قال عليه الصلاة والسلام في خطبه: «أفضل الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة» رواه مسلم. كما حضّ الشيخ الدكتور علي الحذيفي على التمسك بهدي رسول الله محمد- صلى الله عليه وسلم- قائلاً: «من اهتدى به في حياته، فقد حاز الخير كله، ومن فاته هديه فقد فاته الخير كله، ومن فاته بعض هديه عليه الصلاة والسلام فقد فاته من الخير بقدر ما فاته من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم». وتطرق إمام وخطيب المسجد النبوي إلى حرص صحابة رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- على التمسك بسنة المصطفى عليه الصلاة والسلام؛ إذ كانوا يعلِّمون أولادهم سيرة النبي صلى الله عليه وسلم كما كانوا يعلِّمونهم القرآن الكريم، وقد تم لهم ما أرادوا، فكانوا خير أمة أخرجت للناس. كما أشار فضيلته إلى أنه لو اختبر كل مسلم نفسه بالعمل بسنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والعمل بهديه في العبادة والمعاملة والإخلاص ونصرة الدين واستقامة أحواله كلها، لعلم ما قصّر فيه من العمل، ولاستدرك ما فاته مما يقدر عليه بمعونة الله تعالى، ولاستقامت أموره على الصراط المستقيم، محذراً فضيلته المسلم من تضييع عمره في الغفلة، والإعراض عن العلم النافع، والعمل الصالح، والاشتغال بما لا يفيد ولا ينفع في دين ولا دنيا، ولاسيما الشباب الذين هم بأشد الحاجة لما يحفظ دينهم وأخلاقهم، ويحفظ مستقبل حياتهم، وسعادتهم، مبيناً أن كل مرحلة من مراحل حياة الإنسان، تتأثر بما قبلها، وأن أضرّ شيء على المسلم وعلى الشباب خاصة، تتبع المواقع الضارة في الإنترنت التي تهدم الأخلاق الإسلامية، والتأثر بذلك، وقراءة كتب الإلحاد والفساد، وصحبه الأشرار أصحاب الشهوات والموبقات، وقضاء الأوقات مع مسلسلات الفضائيات التي تصد عن الخير وتزين الشر والمحرمات. في النهاية نبّه فضيلته الشباب من خطورة السهر ليلاً، وعدم النوم ليلاً والنوم نهاراً باعتبارها من أكثر العادات الضارة؛ لأنها تغير طباع من اعتادها، مؤكداً أن من ألِف هذه الطريقة، قلّ إنتاجه، وتعطل في دراسته وفي حياته، وأنه كثيراً ما ينقطع الشباب في الدراسة بهذه الطريقة، ويعتري صاحبها أمراض بدنية نفسية، وتسيء أخلاق المستمرئين لها، ويقلّ صبرهم وتحملهم، ويظهر الخلل في أداء وظائفهم، ويقوى تسلط الشياطين عليهم؛ لأن الشيطان ينال من الإنسان في الليل ما لا يقدر عليه في النهار.