وائل غنيم، الشاب المصري الثلاثيني، الذي نجح في حشد عدد كبير من الجيل الجديد عبر الفيسبوك ، من خلال صفحة “كلنا خالد سعيد“، لتتقد الشرارة يوم 25 يناير الفائت، في تظاهرات قادتها تجمعات شبابية، من أهمها حركة شباب “6 أبريل“، الذين يمثلون عصبا حيويا، بقي عصيا على التفاوض، مع النظام الحاكم حتى الساعة. غنيم، وعقب خطاب الرئيس حسني مبارك في 10 فبراير الجاري، وخطاب نائبه عمر سليمان، بدا مترددا، يقدم خطوة ويرجع أخرى، في حيرة من أمره، مما دفعه إلى القول صراحة عبر شاشة “الجزيرة” إنه ليس مؤيدا لتحرك التظاهرات نحو القصر الرئاسي، وأنه سيكون في يوم “الجمعة” إما في ميدان التحرير، أو الجنازة الرمزية للشهداء في حال تنظيمها، مؤكدا على أن موقفه هذا موقف شخصي، لا يعبر عن رأي القيادة الشبابية في الشارع، وأنه يحتاج لمزيد من التفكير والتشاور، ليحسم أمره!. هذا الموقف، حاولت بعض الأوساط المقربة من نظام الرئيس مبارك الاستفادة منه، حيث روجت وكالة أنباء الشرق الأوسط، خبرا مفاده أن غنيم يدعو الشعب المصري لعدم التظاهر، بعد صلاة الجمعة، وأن الرئيس حسني مبارك لبى طموحات الشباب، وهو الأمر الذي كذبه تاليا. لقد تحول وائل غنيم بعد خروجه من السجن إلى رمز، والبعض صيره بطلا وطنيا، ولذا تحاول الأوساط الحكومية، الاستفادة من تردده، في إشهاره كسيف في وجوه معارضيها، وحصار وتفريق حركة الشارع، وشق صفوف القيادات الشبابية في ميدان “التحرير”، وهو أمر لا يخفى على غنيم ذاته. إن دموع غنيم على شاشة “دريم 2“، ألهبت كثيرا من العواطف، وجعلت جمهورا من المترددين يشارك في التظاهرات، وهي ذات الشريحة التي يأمل النظام المصري في أن يعيدها إلى منازلها، ويثنيها عن اللحاق بركب المتظاهرين، الذين يتوقع المراقبون أن يكون مشهدهم مليونيا، في عموم المدن المصرية. هنالك أمر نفسي، يرتبط ب”الشهداء” الذين سقطوا، وهم يلوحون في تفكير وسماء غنيم، كأرواح طاهرة تحاصره بنقائها، وكأنه مسئول عنها، بالرغم من معرفته، وتصريحه، أنه ورفاقه في الدرب، ليسوا السبب في ما حصل من سقوط للضحايا. إلا أن القلق الكبير من سقوط مزيد من الأبرياء، والرغبة في حقن الدماء، يجعل وائل يكبح خطواته، وربما يكتفي بما قٌدم من تنازلات، وجدها “جدية” بحسب تعبيره. المشهد السابق بتشعباته المختلفة، أثار جدلا كبيرا بين الناشطين الإلكترونيين في “الفيسبوك”، و”تويتر”، حيث انتقد البعض غنيم نقدا شديدا بسبب موقفه، فيما البعض أيده، وآخرون تحفظوا، وفريق حاول أن يوازن بين موقفه الشخصي، ورؤية غنيم التي يختلف معه فيها. يمكن القول، إن النضال الإلكتروني وحده، خلف الكيبورد، لا يكفي بالتأكيد، وإلا كانت مصر قد تغيرت منذ سنوات، وهو نضال أبلى فيه غنيم بلاء حسنا، بل تجاوزه، حيث نزل إلى الشارع، وشارك في التظاهرات، واعتقل، وهدد، وضيق عليه، ورغم ذلك، خرج من السجن، ورفع سقف مطالبه، قائلا إنه “لا يريد أن يرى لوغو الحزب الوطني”، كما جاء في حواره مع منى الشاذلي. وبعدها أكد على أن مطالبه هي ذات مطالب الشباب، وتتمثل في رحيل الرئيس، وهما المطلبين اللذين نجد وكأن غنيم بات متأرجحا حيالهما البارحة!. الموقف صعب دون شك، والجماهير حملت غنيم أكثر مما يحتمل، وصيرته قائدا في ثورة تحتاج لقادة أشداء، محنكين سياسيا، أسنانهم ليست باللبنية، يعرفون مكائد السياسة، وكيف يديرون الشارع، ويحركون التظاهرات، التي تتوازى مع المطالب السياسية المرفوعة. ما يحدث في مصر اليوم من “ثورة” هي برأيي الشخصي فوق طاقة غنيم، بل فوق طاقة كثير من السياسيين العتيقين والأحزاب في مصر، لذا يجب أن لا يحمل الشاب “طري العود” فوق طاقته، ومن العدل أن تحمد له شجاعته، وصدقه، ونقاء سريرته، وما قدمه حتى الساعة وسيقدمه مستقبلا، جميعها جهود يجب أن لا تنسى، وأن لا تضيع هدرا، بل تحفظ له، ويستحق عليها كبير الإجلال، خصوصا أنه لم يدعي أنه زعيم سياسي، ولم يصدر منه ما ينم عن جري خلف منصب أو جاه، إلا أن منطق “الثورة” يتطلب نوعا آخر من القادة السياسيين والميدانيين، قادة لديهم البصيرة والجسارة في آن معا، بلحاظ أن “الثورة” في مصر تسبق جمهورها وقادتها، وتفرض سقوفا جديدة في كل يوم، مجددة من حركيتها المتتالية. من المفيد أن لا ينشغل الجمهور في مصر بموقف الناشط غنيم، وأن لا يكون الموضوع سببا للفرقة والشتات، وأن تنصب الجهود نحو تحقيق الأهداف المشروعة للشعب، بشكل سلمي وقانوني وحضاري، والبدء في بلورة مخارج عملية من دوامة “العناد” المستحكم لدى أقطاب النظام، لأن أي خطأ أو تراجع غير مدروس الآن، وفق مكاسب حقيقية، وبضمانات فعلية، سيكون قاتلا، ف”الذين يصنعون أنصاف الثورات، لا يفعلون شيئا، سوى حفر قبورهم”، كما كتب في صفحته على “الفيسبوك”، الشاعر اللبناني غسان جواد. ————————————————– حسن المصطفى مدونة : حسن توك