حين قال إيليا أبي ماضي في رائعته العنقاء :أنا لست بالحسناء أول مولع هي مطمع الدنيا كما هي مطمعي فاقصص علي إذا عرفت حديثها واسكن إذا حُدثت عنها واخشعِ كان يتحدث عن السعادة ، والتي أعيا الناس الحصول عليها . ومضى يقص علينا رحلته بحثه عن عنقائه ، إلى أن وصل إلى مكامن وجودها. ولكن ماذا عنك أنت ، وأنتِ ، وهم وهن ؟ لمَ لا نكاد نرى أحدا يقر بأنه سعيد ؟
بل على النقيض ، الكل متذمرٌ والكل محبطٌ ، من حياته وطريقة عيشه ، والكل يتطلع إلى المفقود ، وينفي الموجود ، ويعتقد أن هذا النقص هو سر تعاسته . إن الحقيقية أن السعادة حالة ذهنية داخلية تضع نفسك فيها ، وليست وضعا خارجيا بتلبسك أو يأتي أليك . بدليل أن بعض الأشخاص ممن نسميهم معاقين ، تغلبوا على إعاقاتهم وسر تعاستهم ، وأحالوها مصدر قوة لهم ، وأنجزوا ما لم ينجزه كثير من الأصحاء ، وتمتعوا بقدر عال من الرضى والثقة . وبالمقابل فإن بعض المشاهير ، الذين أتت أليهم دنيا المال والشهرة والمجد الدنيوي ، أحرقوا كل ذلك ، ولم يشعروا أنه إضافة لقيمتهم ، فانتهوا بالانتحار، أو الإدمان أو الجريمة ، مثلهم مثل أي بائس في هذه الحياة.
إذن ما السعادة وهل هي معنى عام ؟ أم معنى خاص يختلف من شخص لآخر ؟ إن السعادة تنطلق من تعريفك لها أولا . وجرب أن تسأل نفسك وغيرك ، ما هي السعادة بشكل عام ، وأين تكمن سعادتي أنا ؟ إن الثابت أن السعادة تختلف مفهومها من إنسان لآخر . فالبعض قد يرى أن السعادة هي الإنجاز والطموح ، والبعض يستشعرها في الحياة العائلية ، والبعض يرى المال هو ترمومتر السعادة .
وفي دراسة غربية أُجريت وكان موضوعها عن (ما يسبب السعادة للناس ) ، وُجد أن المال يسبب سعادة أكثر من الأبناء عند كثير ممن شملتهم الدراسة. لكن بالتأكيد ليست تلك هي السعادة الكاملة وإنما أسباب وموصلات ، تضيف نقاطا إلى كوب سعادتك لكن لا تملؤها . إن أقرب وأبسط مفهوم للسعادة أنها حالة مركبة من الإيمان بالله و الرضى والتقبل للذات ، وحب الغير والعطاء للآخر. إن تلك المعاني هي جوادك الأبيض للانطلاق إلى سر سعادتك .
إن الضغوط التي نعتقد أنها تلتهم سعادتنا وراحتنا ، نحن الذين نحن الذين صنعناها ، ونحن الذين بيدنا أن نزيل سوادها من لوحة حياتنا . ولن يكون ذلك إلا عن طريق تغيير تصورنا لمعنانا الخاص للسعادة.
السعادة ليست مفهوما معقدا وليست معنى مستحيلا ، هي الرضى والتقبل للنفس، هي المساعدة في إسعاد الآخرين وترك أثر فيهم ، هي الاستمتاع بما نملك ، هي التعامل مع مشكلات الحياة وتحدياتها بوعي وتعقل ، هي فن الاحتفاء بأشيائنا الصغيرة .