المدينة المنورة-الوئام: ” وجعلنا من الماء كل شيء حي ” آية تبعث الحياة في نفوس المتعطشين والباحثين عن الماء لبذل كل السُبل بُغية الوصول لقطرة ماء تروي أغصان ما يزرعون, ويستلذون بعذوبتها فهيّ أساس كل ما يشربون ويأكلون.أين الماء و ماهي الوسيلة للوصول إليه سؤال يُفكر به كل مُزارعٍ قبل أن يضرب بعصاه الأرض لزرع أولى البذور.ولا بد لطارح السؤال من مُجيب.مُنذ القدم اجتهد الإنسان في البحث عن الماء وحفر الآبار من أجل ذلك, ولكن قبل حفر البئر أو اختيار مكانه هناك أدلة على وجود الماء بهذا المكان بالتحديد أو لا. ولهذه الأدلة أُناس مُجتهدون وممارسون لمهنة البحث عن الماء يُسميهم العامة ب ” الصَنَاتُون ” وهم من يُنصتون أو يتصنتون على صوت جريان الماء بباطن الأرض, ولهذه المهنة ممارسون لها أثبتت التجارب نجاحهم ولها عُشاق يتابعون أخبارها وأيضاً لها ” تُعساء ” تكبدت جيوبهم أموالاً ضاعت بسبب تكلفة الحفر التي بُنيت على اجتهاد خاطئ أو تَوَهْم وجود أدلة توحي بوجود الماء في هذا المكان وتكون الأدلة على الوجود في غير مكانها. ” واس ” تُبحر في عالم البحث عن الماء وتفاصيله, وسَبر أغوار مهنة ” الصَنَاتْ ” التي أعطت لبعض أصحابها شهادات اعتماد ممن جربوا اجتهاده أو ” صناتته ” وآخرين لا زالوا يبحثون ويجتهدون للوصول للماء موهمين المستفيد بخبرتهم التي سريعاً ما تُسفر عن خسارة من استعان بهم. يتحدث بالبداية عبيد بن حمدان المحمدي بخبرته الطويلة بهذا المجال ويقول لا أحد يعلم الغيب إلا الله سبحانه وتعالى وما أفعله هو اجتهاد قابل للصواب أو الخطأ ولا أجزم لأحدهم بوجود الماء من عدمه بهذا المكان, وإنما أقول له أن هنالك إشارات على وجود الماء وأبرئ ذمتي من الجزم بذلك أو النفي وللمستفيد حرية الاختيار بين الأخذ باجتهادي أو تجاهله. ويضيف المحمدي خلال تقرير أعده تركي الفريدي وصوره سامي الجهني في وكالة الأنباء السعودية فأنه بدأ بمجال ” الصناته ” منذ عام 1410ه واستطاع حتى الآن الاسترشاد على وجود المياه لعدد ” 2556 ” بئراً تم حفرها والعثور على المياه فيها, مؤكداً أنه لم يتقاض عليها ريالاً واحداً رافضاً أن يمتهن هذا الأمر بُغية الحصول على المال موضحاً أنه لا يطلب ممن ” يصنت ” لهم إلا الدعاء وأن ما وجدوه هو رزق من الله لهم. ويبين أنه لا يعتمد في هذا العمل إلا على الله جل وعلا فهو مُسبب الأسباب ولا أحد يعلم عن باطن الأرض وما تحويه إلا بِقَدرٍ من الله سبحانه وتعالى ، مفيداً بأنه يستخدم ” سيخاً ” من الحديد له آلية للعمل تعتمد على الإمساك به بيده والمشي فوق الأرض المراد البحث عن الماء في باطنها ، فإذا تحرك هذا “السيخ” الحديدي وبدأ بالدوران حول نفسه, كان ذلك إشارة على وجود الماء بباطن هذه الأرض وتحديداً فوق المكان الذي تحرك فيه ” السيخ ” . ويؤكد المحمدي أنه انتشر بين الناس أُناس يؤكدون مقدرتهم على تحديد مكان الماء وهم للأسف أُناس مُخادعون أثبتت التجارب فشلهم وسوء اجتهادهم ويتقاضون مبالغ مالية من الناس مقابل تحديد مكان حفر البئر. من جهته يوضح ” الصنات ” أحمد بن عليان الحربي أنه أمضى أكثر من 8 سنوات بهذا المجال وأسهم بفضل الله في الاسترشاد لعدد من أماكن حفر الآبار للمزارعين ، مؤكداً أن ما نسبته 90% من اجتهاده أسفر بفضل الله وعونه عن وجود ماء, أما عن النسبة الباقية فيُرجعها لوجود ” هُوَاتْ ” بباطن الأرض قد يسبب الحفر في بعض الأحيان إلى تسرب الماء منها إلى أعماق بعيده مما يُصعب عملية مواصلة الحفر لأن الماء انتقل أو سقط لعمق أكثر بسبب هذه الهوات العميقة في جوف الأرض. وعن الأدوات التي يستخدمها في عملية ” الصناته ” يقول الحربي أنه يستخدم ” سيخين من الحديد ” يحملها بيديه ويتحرك بها على سطح الأرض المُراد البحث عن الماء في جوفها, وإذا تحركت كان ذلك دلالة على وجود الماء بهذا المكان, موضحاً أن قوة الحركة لهذيّن السيخيّن له دلالة على كمية المياه, فإذا كانت الحركة قوية كان الماء أكثر ووفيراً وإذا كانت عادية أو مائلة للبطء تكون كمية المياه عادية أو قليلة. ويضيف الحربي أن هناك دلائل على ما إذا كانت المياه المُراد الحفر عنها حلوة أو مالحة مُبيناً أن طبيعة سطح الأرض ونوعها تُعطي الدليل على ذلك, فإذا كانت الأرض وتربتها زيتّيه ( دُهنيه ) كان ذلك إشارة على ملوحة المياه بجوف الأرض دون سواها. موضحاً أن منطقة المدينةالمنورة تقع داخل الدرع العربي أي أنه لا وجود لمياه جارية في باطن الأرض وإنما هي خزانات جوفية لمياه الأمطار المتجمعة فيها, وإذا وُجدت مياه جارية فهي قنوات مائية تتحرك من خزان جوفي لآخر. ويفيد أن أعماق الحفر دائماً لا تقل عن 120 متراً وهناك استثناءات محدودة في بعض الأماكن نظراً لطبيعة الأرض.ومن خلال ما قاله أهل المهنة يُلاحظ أن هنالك علاقة بين الحديد والماء فقد أكد من قابلتهم ” واس ” أنهم يستخدمون أسياخ الحديد للاسترشاد على أماكن وجود الماء في باطن الأرض. وبدورنا نقلنا هذه الأسئلة لأهل الاختصاص الجيولوجي لتبيان حقيقة العلاقة التي اتضحت من حديثهم وتسليط الضوء على هذه المهنة من وجهة نظر جيولوجية. يقول مدير إدارة تنمية موارد المياه بإدارة المياه بالمدينةالمنورة المهندس الجيولوجي ممدوح بن محمد الردادي في اعتقادي أنه لا توجد علاقة واضحة بين جسم الإنسان والأسياخ الحديدية مبيناً أن البعض يربط بين كهرباء الإنسان والأجسام المحيطة من حوله في وجود شحنات بينهم, ولكن لا علم لي في وجود علاقة أو تفاعل بين جسم الإنسان والأسياخ الحديدية وباطن الأرض. وأضاف انه لا يوجد أي تفسير علمي لهذه الظاهرة ولا يمكن الجزم بصحة ما يفعل هؤلاء أو العكس حتى الأدوات المستخدمة من أسياخ حديدية أو نحاسية أو أعواد الأشجار وعلاقتها بالكشف عن المياه الجوفية الموجودة على أعماق تزيد عن 100متر. ويقول الردادي حاولت أن أفهم تفسيراً لهذه الظاهرة فمعظم هؤلاء الصناتون إما محظوظين أو أن لديهم معرفة اكتسبوها بالخبرة المتراكمة لمعرفة مواقع المياه فأكثر من 95% من ( الصناتين ) تجدهم أصحاب مزارع وعانوا من حفر الآبار الجافة ومع السنين اكتسبوا الخبرة من الآبار التي حفرت وبناءا على نتائجها يبنون عليها في تحديد حفر الآبار الجديدة وهكذا, فأصبح لديهم وفق ما أتصوره سجل شخصي لهذه الآبار ومواقعها ,موضحاً أن هؤلاء الصناتين موجودون على مستوى العالم وأصبحت مهنة يمتهنها الكثيرون.