تتفاوت الاعمار بين البشر بحكمة الخالق وتدبيره سبحانه، منهم من يمتد به العمر ويعطى القدرة على خدمة غيره فيما يتعلق بأمور دينهم وديناهم ليتفانوا في رد الجميل له بالدعاء المخلص بأن يمد الله في عمره لتقديم المزيد لهم، لكن الله وضع آجالا للناس لا يتجاوزونها كما قال سبحانه (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون). وسالفا قال الشاعر العربي كل ابن انثى وإن طالت سلامته يوماً على آلة حدباء محمول وقد كان سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود ممن أمد الله في أعمارهم ليرو نتائج أعمالهم ويقطفوا ثمار جهدهم وتعبهم، وليطمئنوا على ما خلفوه من إرث وطني لا يعاد له إرث، إن على الصعيد الأمني أو السياسي أو الاجتماعي. إن تقلد نايف بن عبدالعزيز لمسؤوليات العمل الأمني منذ كان عمره لم يتجاوز العشرين عاماً كأمير للرياض، ووفاته حوالي الثمانين من العمر يعني أنه قضى حوالي ستين عاماً في خدمة الدين والوطن والملك والمواطن، وقبل ذلك خدمة المبادئ والقيم والعهود التي التزم بها، وسار على نهجها وتعلمها منه كل من عمل معه، وعاصره وعايشه. لقد كان نايف بحق قاهر الفساد والارهاب، قهر الفساد وحد منه بتعليماته واجراءاته الصارمة في تطبيق الأحكام بحق الفاسدين والراشين والمرتشين، وبتطوير الأنظمة وتعزيزها لسد الثغرات التي ينفذ من خلالها الفاسدون، ودعم أمن الحدود وعززها في وجه المهربين للأسلحة والمخدرات والممنوعات، ولاحق الفساد الأخلاقي وضيق عليه الخناق، وأحبط محاولات غسيل الاموال، وتزييف العملة، وتزوير الوثائق والاختام والمستندات، وضبط أسعار المواد الضرورية وعاقب المتجاوزين والمستغلين لحاجة المواطنين. أما كفاحه على صعيد قهر الارهاب فمشهود ومحمود، مروراً بالتفجيرات التي شهدتها بلادنا في عدة مواقع ومنشآت، وانتهاء بتقديم المتهمين للعدالة يتمتعون بكامل حقوقهم في الدفاع عن أنفسهم، حتى اختفت كل مظاهر الارهاب، لقد كانت أفعاله في قهر الارهاب وتطهير البلاد منه، مضرب المثل لدول العالم، حتى أنه لم تمر بلد بما مرت به المملكة، من تفجيرات كانت تحدث هنا وهناك إلى اختفاء كامل، ورغم ذلك لم يحاول الانتقام ولم يتسرع في طلب الاحكام، بل أنتهج المناصحه كطريق للإصلاح والرجوع للحق وادراك الخطأ وتأنيب الضمير، لأنه كان يؤمن أن عنصر الشر دخيل على نفوس مواطني بلده، ولا بدلهم من التخلص من هذا العنصر. إنني لا أنسى كلامه لي عندما زرته مسلما وطالبا نصحه وتوجيهه عند صدور أمر خادم الحرمين الشريفين بأنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وتشريفي برئاستها، لقد قال لي، يرحمه الله، (اهنئكم بالثقة الملكية من ولي الأمر، وهي لم تأت من فراغ، وانتهم أهل لذه الثقة، وأرجو من الله أن يوفقكم في اختيار الرجال الأمناء العقلاء الحكماء القادرين على أداء هذا العمل، وأن تضعوا النظام المناسب مع الجهات المعنية لما يحقق المصلحة العامة، ويجب على جميع أجهزة الدولة، وجميع الوزارات التعاون معكم، وفي مقدمتها وزارة الداخلية والأجهزة التابعة لها) وأضاف سموه (إن مكافحة الفساد له مدلولات ومعان واسعة وهو كمكافحة المرض، ويجب أن تكون جميع الأبواب مفتوحة لكم لأداء واجباتكم بكل اخلاص وأمانة ، وبكل سهولة ويسر)، واكد، يرحمه الله (أن أمر خادم الحرمين الشريفين بأنشاء الهيئة هو بمثابة التفعيل القوي للاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، والعزم على استمرار أنشطة مكافحة الفساد بقوة في الدولة، وأن ربط الهيئة مباشرة بخادم الحرمين الشريفين يعكس مدى حرصه، حفظه الله، على أن لا يكون لهذ المؤسسة أي عوائق تحد من مهمتها في أداء رسالتها، ومنحها الدعم المباشر من القيادة). لقد كانت عباراته، يرحمه الله، بمثابة الدافع القوي، لنا، أنا وزملائي في الهيئة، في مسابقة الزمن لبناء الهيئة ومباشرة أعمالها، وسوف نظل كذلك نستنير بفكر الأمير نايف ومنهجه واسلوبه في العمل المخلص. رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد