في مشاوير العمرِ، ومسافاتِ الحياةِ، تحتاجُ إلى سيارةِ أجرةٍ تلتقطكَ من هنا لتحملكَ إلى هناك.. وترامي المدن يزيد في الإلحاحِ على استخدام (التّاكسي) الأصفر، أو غيره. ولكن لتعلم – يا قارئ يا كريم – أنّ لكلّ مهنة متاعبها ومعاناتها وتجاعيدها وهمّها!في البدء كنت أظنّ – وليس كلّ الظَّنِّ معصية – أنّ شيخنا وفيلسوفنا عبدالرحمن المعمّر رئيس تحرير جريدة الجزيرة الأسبق هو الوحيد الذي يرفض (سعودة التّكاسي)، إذ ما إن يرى سيارة أجرة يقودها سعودي حتّى يفتعل أي نقطة للاختلاف، ثمّ يعتذر عن (إكمال المشوار)، وكنتُ أسأل فيلسوفنا عن السّبب في ذلك فيقول لي: إنّ صاحب التّاكسي المحلّي كثير السّؤال، قليل المال، رديء الملبس والحال!ولا زلتُ أتذكّر أنّ سائقًا من ذلك الصّنف الذي يتهرّب منه شيخنا المعمّر، طفق يطرح عليَّ الأسئلة وكأنّها حصى الجمرات التي ترمى في يوم الحج الأكبر، سأل عن عملي. فقلت: أنا مجاز، فقال ما نوع الإجازة؟ أهي استثنائيّة، أم اضطرارية، أم اعتياديّة، أم مرضيّة، أم عرضيّة، أم غير ذلك؟قلت له: اعتياديّة، بالتاكيد... فأنت تراني سليمًا معافى!فقال: كم مدّة هذه الإجازة؟قلت له: ثلاثون يومًا بالتّمام والكمال.ظننت أنّ هذا الرّمي بالأسئلة سيتمخض عنه شيء أو قرار، أو تخفيض في الأجرة، وإذ به يقول بعد كلّ هذه الاستفهامات: (الله يوفّقنا وإيّاك-ياوليدي-)!أدري أنّ هذه الجملة – نِعم الجملة – ولكن كان من الممكن أن يقولها سائقنا “الملقوف”، كما هي وصفة الحجازيّين لهذا النّوع من البشر، أو السّائق “الحقنة” كما هو تعبير الصّديق إدريس الدّريس، أو (السّائق الغثيث) كما هو تعبير الصّديق المبهج، بدر الخريّف،...نعم ، كان من الممكن أن يقولها من دون مشوار طويل من الأسئلة يزيد هموم الزحام ..زحاما!!! ما علينا.أعود للموضوع، فقد قرأت في جريدة الوطن العدد 1245، ما يوافق رأي الشّيخ عبدالرحمن المعمّر، إذ يقول الخبر: (اضطر عدد من السّعوديين العاملين كسائقين لسيارات الأجرة عن التّخلّي عن زيّهم السُّعودي بعد أن واجهتهم مصاعب كبيرة في إقناع الرّكاب بإيصالهم إلى الأماكن التي يقصدونها).!ويضيف الخبر: (وأصبح من الطّبيعي مشاهدة عدد من سائقي الأجرة السّعوديين يرتدون بنطالاً وقميصًا وربطة عنق، في محاولة لإقناع الرّكاب بأنهم ليسوا سعوديّين، بعد أن اتّجه العديد من النّساء إلى استخدام السّيارات الخاصّة (اللّيموزين)، والتي بدأت تفضّلها السّيدات هربًا من سائق سيارات الأجرة، حيث تلجأ السّيدات إلى المكاتب التي تعمل على تأجيرالسّيارات الخاصّة، والتي توفّر السّائقين، ممّا دفع عددًا من أصحاب سيّارات الأجرة للتّشبّه بالوافدين من خلال زيّهم، ولهجتهم العربيّة المكسّرة لكسب الزّبائن و(الزّبونات)!.وفي ثنايا الخبر، يمكن أن نعرف وجهة نظر الطّرف الآخر الرّافض للتّعامل مع السّائق السّعودي، إذ يقول أحد السّائقين بأنّه فُوجئ بالانطباع السّائد لدى السّعوديّين من الجنسين عن السّائقين السّعوديّين، حيث يعتقدون أنّ السّائق السُّعودي لا يمكن الوثوق به، في حالة حصوله على معلومات شخصيّة عن الأسرة التي ينتمي إليها الرّاكب، ويقوم بالتّحدّث مع أصدقائه ونقل كلّ ما يحصل، وما يدور من أحاديث بين الرّكاب أثناء وجودهم بالسيّارة)؟حسنا ،ماذا بقي ؟ بقي القول ، هذا ما كان من أمر أصحاب التّاكسي، الذي يعلمون بالزّمان القاسي، ويلاقون في سبيل لقمة العيش المآسي، كان الله في عونهم بالصّباحات وفي الأماسي، فقد سقط عليهم الجدار، وانهار بهم المبنى، وظهر عليهم الفقر في زمن قياسي! مقالات سابقة : فَضْلُ الْكِلاَبِ عَلَى مَنْ لَبِسَ الثِّيَّابَ كسب الغنائم من أقذع الشتائم الثراء ، في وصف السَّفلة مِن العُلَمَاء الأقوال الشاخصة في أن العربي شخصيّة ناقصة ! البَدَو الجُدُدُ! أحمد عبد الرحمن العرفج [email protected] arfaj1