الذّكريات كلمة جميلة ومؤثّرة في النّفس البشرية، ربما لأنها الطّريقة الوحيدة الّتي تجعل الإنسان يعيش ماضيه كحاضر دائم، ولذلك يحرص كثير من النّاس على تسجيل اللّحظات الجميلة في مسيرة حياتهم عبر التصوير، والاحتفاظ بهذه الصّور كذكريات تخلّد لحظات السعادة التي مروا بها، كما يحرص قسم آخر من النّاس على الاحتفاظ بكل الشّهادات الّتي يحصلون عليها طوال حياتهم سواء شهادات النّجاح الدراسية أو شهادات التقدير أو حضور دورات معيّنة وتجدهم يقومون بتنظيمها وحفظها بطرق تضمن ديمومة سلامتها من التلف، وهناك قسم ثالث وهم تحديدا الرّياضيون وخاصّة المتميّزين منهم يحرصون على الاحتفاظ بتسجيلات للمباريات والبطولات والميداليّات والكؤوس الّتي يحصلون عليها طوال مشوارهم الرّياضي وترتيبها وكتابة تواريخها ومناسباتها. وهذه الصّور أو الشّهادات أو الميداليّات والكؤوس أو غيرها تمثل ذكريات غالية ومهمّة عند معظم الناس، حيث يعود إليها الإنسان بين فترة وأخرى ليستعيد (روح) تلك اللحظات التي مضت وجمالها وصخبها بل وأصواتها وكل تفاصيلها. وتصبح هذه الذّكريات بمثابة (متنفّس) أو(حديقة) يهرب إليها الإنسان كلما شعر بالضّجر من الواقع ليجدد الدماء في شرايين أيّامه وسنينه الحاضرة. ولكن..! ومع مضي السّنين، يأتي وقت على الإنسان يغيب كثيراً عن هذه الذّكريات لانغماسه وانشغاله بالواقع الّذي يعيشه، وحتى إذا ما عاد إليها في لحظات الحنين والشوق تجده يفقد تلك الحرارة الّتي كان يشعر بها حين يقلبها ويتمعّن فيها! ثم تبدأ مرحلة أخرى فتراه يقرّر تنقيحها والاحتفاظ (بالمهم) منها فقط، والتخلص من الأشياء المكرّرة أو غير المهمة! ثم يأتي عليه وقت يهملها تماماً! حتى إذا ما رآها أو وقعت أمامه مصادفة تراه يمر بها دون أدنى اهتمام! وهكذا تبدأ الذّكريات تفقد أهميتها بمرور الأيام.. تبدأ الذكريات تهرم، ثم تموت بعد ذلك، تماما مثل صاحبها الإنسان الذي يهرم ويموت. إنها سنة الله في الحياة.. ولن تجد لسنّة الله تبديلا.