يعتاد "عبدالله" المرور كل يوم على محل لبيع عصير قصب السكر في جدة التاريخية ليشرب كوبا "يروي العطش" كما يقول، وهو يبرر اعتياده على ذلك بأن هذا المشروب الذي يقدم مثلجا يمنحه النشاط. ويعتاد زوار المنطقة الذين يأتون بغرض الزيارة أو التبضع فرادى وعائلات على التوقف عند محل لبيع عصير القصب لالتقاط الأنفاس، وتناول أكواب العصير الذي أصبح المشروب السياحي في هذه المنطقة التجارية النابضة بالحركة والحياة. هنا حيث يمتزج الحاضر بالماضي في منطقة لا تزال تحتفظ "ببريقها وأضوائها" التاريخية، ورغم صعوبات البقاء التي تواجهها من عوامل التعرية التي تسببها المدنية الحديثة. تظل المنطقة التاريخية الواقعة بالمنطقة المركزية بحي البلد (وسط المدينة) تحتفظ "بمكانتها ورونقها"، من خلال أشكال بناياتها "الشعبية" المثيرة لاهتمام السائحين، ومساجدها التي يتجاوز عمر بعضها 800 عام. إلا أن قاصدي المكان وجدوا في تاريخية جدة "جمعة نوعية ومختلفة" فعلى امتداد زقاق مسجد أبو عنبه التاريخي، إلى مقر سوق الجامع الذي يجاوره مسجد القرون الثمانية "الشافعي"، إلى منتصف سوق العلوي، إلى أطراف المنطقة من كل حدب وصوب ستجد عشاقا آخرين للمنطقة وجدوا في عصيرها الرسمي "قصب السكر" بابا يلجوا من خلاله لذاكرة المكان. أناس من مختلف الجنسيات والأعراق تزدحم بهم الأزقة الضيقة عند محال وجدت في عصير "القصب" أرضا خصبة لإنعاش الذاكرة باحتفالية صامتة تدور مع رشفات من "قصب السكر"، لم يقتصر محبو هذا العصير على المجتمع المحلي، حيث ساعدت طبيعة المنطقة على رواجه لدى العديد من الجنسيات. "بدراهم بخس معدودات" لا تتجاوز في أعلى معدلاتها الريالين أو الثلاثة للكوب الواحد، يقبل مواطنون ومقيمون على شرب عصير القصب الذي يلعب دورا مهما في تنشيط بنية السياحة الداخلية. عند أحد محلات بيع العصير وقف العامل محمد إقبال كويا يحاول تلبية طلبات الزبائن من العصير، حيث يبلغ الزحام ذروته في عطلة نهاية الأسبوع، خاصة يومي الخميس والجمعة التي تنشط فيهما مبيعاته بشكل كبير. مقاصد نيات الشاربين تختلف من شخص لآخر، رغم فوائده الصحية الكبيرة، فالمقيم السوداني أبو بكر السر الختم الذي يحرص على زيارة المنطقة كل جمعة، "لينفس عن نفسه هموم وأعباء العمل" كما قال يعلل حرصه على شرب عصير "قصب السكر"، بالحفاظ على الصحة، ومعايشة أجواء المنطقة التاريخية الشعبية. فيما كان فيصل الغامدي يسير في ممر سوق "الندى" وهو يمسك بكوب عصير "القصب" يرتشفه، ويفاصل بائعا بأحد محال بيع الأقمشة، يقول الغامدي إنه عاشق لعصير قصب السكر بشكل كبير، ويحب شربه بدون إضافة "الثلج". في الطرف الغربي للمنطقة، وتحديدا مقابل مدرسة الفلاح، حمل المقيم الباكستاني غلام فضل الرحمن، كاميرا صغيرة يصور بها أصدقاءه الذين قدموا لأداء مناسك العمرة، لتوثيق زيارتهم التاريخية، يقول إنه يحرص على تناول عصير القصب لأنه مشروب لذيذ وصحي، يضفى على المرء الانتعاش. ويحاول بائعون لعصير القصب عن طريق سماسرة جذب الزبائن، بطرق مختلفة، كالمناداة، ودعوة المارة والترحيب بهم، ويستخدمون في عملية الترويج عيدان القصب الممتاز القادم من مزارع الصعيد المصري، والذي يعد ماركة مسجلة نظرا لجودته وتميزه، وتحرص المحال على جلبه واستخدامه.