ابتهجت الشعوب العربية كثيراً بسقوط الأنظمة الدكتاتورية الاستبدادية في كل من تونس ومصر وليبيا، خصوصاً بعد أن قدمت هذه الشعوب الصابرة المقهورة الكثير من التضحيات والشهداء والمصابين، واستبشرت بمستقبل مشرق يداوي تلك الجراح ويخفف الآلام، ولكن رياح التغيير أتت بما لا تشتهيه سفن تلك هذه الشعوب، خصوصاً في مصر وليبيا وإن كانت تونس ليست منهما ببعيد خاصة في الجانب الاقتصادي المتردي. ففي مصر تكبدت البورصة خسائر فادحة، وتراجعت عائدات السياحة بنسب كبيرة، وتم تخفيض التصنيف السيادي للدولة من قبل وكالات التصنيف الائتمانية الدولية، وعانت الشركات والمصانع من جراء المظاهرات والاعتصامات المتواصلة هذا من الناحية الاقتصادية، أما من حيث الوضع الأمني فقد حصل في البلاد حالة انفلات أمني خطير بدأ بحوادث قتل وانتقام في الفترة التي تلت سقوط النظام في عدة قرى ومحافظات، ثم امتد الشغب والهمجية إلى إحراق مقر المجمع العلمي بالقاهرة، وكانت قاصمة الظهر بسقوط عشرات القتلى الأبرياء ومئات الجرحى في الأحداث المؤسفة التي رافقت مباراة فريقي الأهلي والمصري في بورسعيد. أما في ليبيا فقد حصلت مناوشات واشتباكات مسلحة بين مجموعات من الثوار وحصل قتال بين عدة قبائل في أنحاء متفرقة خصوصاً في سرت والزنتان وحتى في طرابلس نفسها، وقبل أيام قام سكان بني وليد أحد معاقل القذافي بانتفاضة مسلحة وطردوا قوات المجلس الانتقالي. كل هذه الأحداث الخطيرة تنذر بانزلاق البلاد إلى حرب أهلية تأكل الأخضر واليابس، فهل ينتبه العقلاء وأصحاب القرار في البلدين العزيزين على قلوبنا إلى هذه المخاطر التي تحيط بهما ويبدؤون في حلها والسيطرة عليها، فالجسد العربي لا يحتمل مزيدا من المآسي والكوارث.