"لاجيت من نشدت عنا.. قله ترانا بتنورة.. قلّه ترانا تمدّنا.. كل يولع بدافوره".. هكذا وثق شاعر شعبي انطلاق ثورة التنمية وتحول أهالي البادية إلى المدينة وانطلاق عصر التمدن الذي شهدته المنطقة الشرقية مع تفجر آبار النفط وانتقال الناس من حياة البادية إلى عالم المدينة الجديد بكل تغييراته. "رأس تنورة".. تلك المدينة الحالمة الجاثمة على ضفاف الخليج العربي، والتي كان البحارة يتجنبون عبورها لوجود تيار مائي حار جداً فيها، أصبحت اليوم رقما مهما في خارطة التنمية بعد أن تم تخصيص مينائها كواحد من أهم موانئ تصدير النفط بالمملكة. لمحة تاريخية "الوطن" زارت رأس تنورة التي تبعد عن مدينة الدمام نحو 58 كيلومتراً باتجاه الشمال، لم تغفل الحديث عن بعض الجوانب التاريخية لهذه المنطقة, ويظن البعض أن رأس تنورة الميناء ما هي إلا موقع من المواقع الحديثة التي تأسست تبعاً لتدفق النفط الذي أثمر عن جهود التنقيب وتوقيع اتفاقية الامتياز. ويتبع رأس تنورة جزيرة صغيرة تسمى "حالة زعل" وتقع إلى الشمال الغربي منها ولا يفصلها عن هذا الرأس سوى عشرات الأمتار. وروى عدد من كبار السن والشيوخ وقدامى الموظفين لمحات عن رأس تنورة وعن الاسم الآخر للمدينة "رحيمة"، و قال الشيخ سعد آل مسارير إن رأس تنورة اسمها "رحيمة" وهو كان اسما رسميا في الدوائر الحكومية حتى عام 1406، مضيفا أنه كان يعقد في رأس تنورة سوق موسمي للبدو يبيعون به منتجاتهم البسيطة كالأغنام والدهن والإقط والصوف لنزول الحضر من أهالي دارين إلى رأس تنورة في فصل الشتاء والربيع للتنزه وجمع الفقع "الكمأ" وصيد الطيور والأرانب البرية بالبنادق والحبال بنصب الفخاخ، كما يوجد على ساحل رأس تنورة عدد محدود من "الحضور" وهي الشباك السمكية التي من أشهرها حضرة ناصر بن لحدان الفيحاني. وتابع قائلاً إن تسميتها برحيمة تعود إلى أن كثيراً من الأسماك تعلق بالشجيرات والنباتات البرية عندما يبدأ الجزر بعد حالة المد التي تصل إلى عدة كيلومترات فيأتي القاطنون في المنطقة لأخذها دون عناء فسميت رحيمة لرأفتها بهم، كما يقال إن مسمى رحيمة يعود إلى موظفي شركة الزيت عندما أقاموا المنازل الخاصة بهم، حيث كانت تقع بجوار عين رحيمة التي سميت باسمها المدينة وتنساب مياهها باتجاه الجنوب حتى تصب في البحر، وتقع هذه العين الآن غرب رحيمة وبالتحديد في حديقة مدرسة رحيمة المتوسطة. ما بعد النفط وعن ثورة النفط وزمانه قال الشيخ سعدون بن ثابت - من سكان رأس تنورة- ل"الوطن"، إنه عند اكتشاف النفط أصبح سكان رحيمة عبارة عن مجموعة من القبائل أتت من كل حدب وصوب بحثاً عن العمل، وكانت فرص العمل متوفرة مما حدا بأبناء البادية للزحف نحو المناطق الصناعية والعمل وتحسين مستوى المعيشة، وكانت رأس تنورة أول ملاذ للبدو عن الفقر وأول التزام وظيفي يحاصرهم بعد حياة الحرية والرعي، فأصبحت رأس تنورة تمتاز كرمز للبعد عن الأهل والغربة والتطور والتحضر أو ما يسميه قدماء البدو "التمدن"، وكان البدو الموظفون حديثا في شركة البترول يرسلون ويصفون بأشعارهم كيف هي حياتهم الجديدة، فيقول أحدهم إن المنطقة بعد النفط عرفت كمنطقة عمل لوجود شركة أرامكو السعودية وميناء رأس تنورة الشهير لتصدير النفط، ومصفاة للنفط. رأس تنورة والشعراء وقال ثابت بن سعدون بن ثابت، إن آباءهم الأوائل تركوا البادية وهاجروا فكانت هذه نقلة كبيرة لهم وتجربة مريرة، فبعد حياة الرعي والزراعة والحياة البدائية يجدون أنفسهم بين المصانع وحياة جديدة صخبة ولغة أخرى صعبة وغربة شاقة؛ حيث الانقطاع التام عن الأهل بسبب عدم وجود الهاتف وبعد المكان، فالبعض لم يتحمل هذه الأوضاع ورجع إلى أهله قانعاً بمعيشته والبعض الآخر واصل واستقر بالمدينة. ويحكي أحد الشعراء نقلاً عن أجداده أن الشعر كان يجسد ظروفهم المتشابهة فينتشر بينهم بشكل سريع كونه يحكي عن ظروفهم، مؤكداً أن غالبيتهم يحفظون الكثير منه إلى اليوم، ومن أشهر ما قيل كان صوتا وصدى لشاعرة يقال لها عنيفة بنت شجاع حيث قالت: "لا وا حسايف تزينا.. ما نشوفهم غير بالصورة.. أشوف من راح ماثنا.. غياله الشاي والفورة" . وأوضح أحد كبار سكان رأس تنورة ويدعى جمل بن دلهم، أن رأس تنورة أصبحت تضج بالمدنية وبها الخدمات خلال خمسين عاما، وبالرغم من عدم ظهورها إعلامياً في الفترات الحالية إلا أنها مستقلة عن المنطقة بخصوصية غير مقصودة، وهي تحوي على عدد من المدارس والمعاهد والشركات.