في نهاية اجتماع شاق بأحد الفنادق الكبرى بالقاهرة لمح وزراء الخارجية العرب بقيادة دول خليجية للرئيس السوري بشار الأسد إلى أنه ما لم يوقف حملة العنف التي تشهدها بلاده فقد تسلح بعض الدول الأعضاء في الجامعة العربية خصومه. وجاءت هذه الرسالة غير المباشرة في البند التاسع من قرار الجامعة العربية يوم الأحد الذي حث العرب على "فتح قنوات اتصال مع المعارضة السورية وتوفير كافة أشكال الدعم السياسي والمادي لها" وهي عبارة تنطوي على إمكانية تقديم السلاح لمعارضي الأسد. وأكد دبلوماسيون شاركوا في الاجتماع هذا التفسير. ويبذل العرب جهودا كبيرة لتوحيد العالم وراء مساعيهم لحمل الأسد على وقف أعمال القتل لكنهم لم يحققوا نتائج تذكر في هذا السبيل. واضطر العرب إلى إلغاء مهمة المراقبين العرب في سورية بعد تعثرها. وعندما طلبوا دعم مجلس الأمن الدولي لخطة لنقل السلطة تقضي بتنحي الأسد وقف الفيتو (حق النقض) الروسي والصيني حائلا دون مرادهم. وتعد موسكو حليفا قديما لسورية وأكبر موردي الأسلحة لها. وقد رفع اجتماع الأحد الرهان. فالغرض من التحول الضمني لتأييد المقاومة المسلحة لقوات الأسد هو زيادة الضغط على الزعيم السوري وحلفائه الروس والصينيين. لكنه ينطوي أيضا على مجازفة قد تؤدي إلى نشوب حرب أهلية طائفية أو صراع على غرار ما شهدته ليبيا رغم أن الجميع يريد تفادي هذا الأمر. وقال مندوب دائم لدى الجامعة العربية "لم يعد مقبولا أن يمارس الأسد كل ألوان القتل بحق المدنيين ونحن نقف صامتين" مفسرا بذلك القرار الذي أعاد القضية السورية إلى الأممالمتحدة مع الدعوة لارسال قوة حفظ سلام مشتركة من الأممالمتحدة والجامعة العربية. وأضاف "نحن سوف ندعم المعارضة ماليا ودبلوماسيا في البداية لكن إذا استمرت عمليات القتل من جانب النظام فلابد من مساعدة المدنيين لحماية أنفسهم. فالبيان يعطي الدول العربية كل الخيارات لحماية الشعب السوري". وعبارة "كافة الخيارات" عبارة دبلوماسية تترك الباب مفتوحا أمام امكانية الرد العسكري. وكان دبلوماسيان آخران أكثر صراحة إذ قالا إن القرار يسمح بنقل أسلحة للمعارضة. وقال سلمان شيخ مدير مركز بروكنجز الدوحة إن سيل الدماء يمثل عنصر ضغط يدفع العرب للتحرك. وأضاف "من المحتمل أن نشهد مزيدا من العسكرة لهذا الصراع مع ما ينطوي عليه ذلك من عواقب خطيرة واسعة النطاق". وتتسرب أسلحة مهربة إلى سورية لكن من غير الواضح ما إذا كانت حكومات عربية أم حكومات أخرى تؤيد مثل هذه التحركات. ويقول مسؤولون أمنيون عراقيون إن هناك مؤشرات على أن مسلحين من السنة بدؤوا يعبرون الحدود للانضمام إلى الثائرين في سورية. ويحقق المهربون عوائد كبيرة مع ارتفاع الاسعار لتوصيل الاسلحة إلى سورية مخبأة وسط الشحنات التجارية. ويقول محللون إن هذه الاسلحة لا يمكنها أن تضارع قوة النيران التي يمكن للأسد إطلاقها ومع ذلك فإن هذا الأمر قد يتغير إذا فشل الأسد في الأمتثال لمطالب العرب. وقال سفير دولة عربية من خارج منطقة الخليج إن قطر والسعودية أصرتا على عبارة "الدعم المادي" لتشمل "كافة أنواع الدعم بما في ذلك السلاح مستقبلا". وأضاف "لكننا نرى أن هذا تصعيد خطير". وأبدى دبلوماسي عربي كبير تخوفه من أن تؤدي هذه الخطوة إلى اشتعال الموقف في سورية التي تضم طوائف مختلفة مثل السنة والعلويين والمسيحيين والأكراد والدروز في قلب الأمة العربية. وتابع "الوضع في غاية الحساسية في سورية. والباب مفتوح على احتمالات كثيرة. أعتقد أن سورية الآن في بداية نوع من الحرب الاهلية". وقد خلقت الأزمة السورية شقا في الصف العربي. فدول الخليج السنية التي تدفعها رغبة في الإطاحة بالأسد حليف إيران الشيعية لديها القدرة المالية والسياسية لمواصلة الدعوة لعزل الرئيس السوري. كذلك فإن دول الخليج باستثناء البحرين لم تتأثر بموجة الانتفاضات العربية. وربما تكون لدى مصر والجزائر والعراق هواجسها فيما يتعلق بسورية لكن نفوذها في الوقت الحالي محدود. وقد أبدت الجزائر تحفظات على فكرة إرسال قوة مشتركة إلى سورية. أما الدولتان الأخريان فالتزمتا الصمت. وتواجه الدول الثلاث تحديات داخلية تحد من قدرتها على طرح آرائها. فلدى العراق انقساماته الطائفية كما نجت الجزائر من انتفاضة شعبية وإن ظل الحذر غالبا على الوضع فيها وقد لا يحبذ حكام مصر العسكريون التدخل في دولة عربية لكنهم مشغولون بسخونة التطورات في الشارع المصري والاحتجاجات على الحكم العسكري. وكانت الدولة العربية الوحيدة التي اعترضت على القرار رسميا هي لبنان الذي هيمن عليه لفترة طويلة النفوذ السوري ونفوذ حزب الله. ومما يسلط الضوء على الاضطراب الذي يشهده العالم العربي أن اجتماع الأحد بالقاهرة نقل إلى فندق ماريوت بدلا من عقده في مقر جامعة الدول العربية على الجانب المقابل من نهر النيل وذلك لقرب المقر من ميدان التحرير بؤرة الاحتجاجات المصرية. وحدد الأمير سعود الفيصل مسار الاجتماع بالسعي منذ البداية لاقناع الآخرين بدعم المعارضة السورية. وقال للوزراء العرب في كلمة قبل بدء المحادثات المغلقة "إن اجتماعنا اليوم مطالب باتخاذ إجراءات حاسمة وذلك بعد أن فشلت أنصاف الحلول في وقف مجزرة سورية". وقال المندوب الدائم غير الخليجي الذي طلب مثل الآخرين عدم الافصاح عن اسمه إنه كان واضحا بداية من تلك اللحظة من الذي يوجه الاجتماع. وأضاف "هذه الاجتماعات ليست للنقاش. وزراء الخارجية الخليجيين لهم مواقف وقرارات جاؤوا بها مسبقا ولا يريدون سماع أي شيء غيرها". وعقدت دول مجلس التعاون الخليجي الست اجتماعا منفصلا في وقت سابق ذلك اليوم. وقال مصدر إن موقف هذه الدول لاقى تأييد المغرب والاردن وتونس التي ستستضيف اجتماعا "لأصدقاء سوريا" من العرب وغيرهم في 24 فبراير. وقال المصدر الذي حضر الاجتماعات إنها شهدت مناقشات عاصفة بشأن نوع المهمة العربية الدولية المشتركة التي ينبغي أن تطلبها الجامعة العربية من الأممالمتحدة. وقال "عندما حاول البعض الحديث عن مقترح الأمين العام بإرسال بعثة مراقبين مشتركة من الجامعة العربية والأممالمتحدة فوجئ برفض عاصف من دول الخليج التي قالت ان الزمن تجاوز عمل اي مراقبين وأن ما يحدث في سورية لا يمكن وقفه بدون قوات حفظ سلام". واستقر الاجتماع على طلب "قوة". وقال المصدر إن رئيس الجلسة الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني رئيس وزراء قطر قاد أيضا الدعوات لإنهاء مهمة المراقبين العرب التي انتقدتها المعارضة السورية منذ بدأت عملها في ديسمبر والتي تعرضت أيضا لانشقاق في صفوفها ومشاكل في النقل والإمداد. وألغى القرار مهمة المراقبين. ومع ذلك تبدو احتمالات موافقة مجلس الأمن الدولي على قوة حفظ السلام المشتركة ضئيلة. وطرح الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي الفكرة الأسبوع الماضي على الأمين العام للأمم المتحدة لكنها لم تلق إلا استقبالا فاترا من الدبلوماسيين في نيويورك برغم أن الولاياتالمتحدة وآخرين قالوا إنهم سيدرسونها. وقال دبلوماسي غربي في الأممالمتحدة "إنها في الحقيقة غير واقعية مع عدم وجود سلام يحفظ، هذا ينبغي أن ينظر إليه على أنه خيار للمستقبل وليس خيارا للتطبيق الآن".