النصيحة ضرورة اجتماعية وأخلاقية لسلامة الفرد والمجتمع، وحس إنساني وتربوي للتنبيه عن الأخطاء، والشبهات، والانحرافات، وعلى الرغم من هذه القيمة الدينية والمجتمعية للنصيحة، إلاّ أن كثيرين يتوجسون منها، ويعدونها تدخلاً في خصوصيتهم، وسلوكياتهم، ويبقى السؤال الأهم: هل هذه الفكرة صحيحة؟، أم نحتاج إلى تحديث وسائل النصيحة لتناسب متغيرات العصر؟. من نصيحة لفضيحة بدايةً، قالت "هند الخالد" -معلمة لغة عربيه-: "النصيحة واجب اجتماعي ونحن بحاجة ماسة لها، وشخصياً أسعد بالنصيحة، خصوصاً إذا صدرت من قلب محب وحريص على مصلحتي، ولكنّي أمقتها عندما تأتيني بأسلوب فج وغير مهذب؛ مما يدفعني للعناد وعدم تقبلها". وذكرت "منى سعد" -موظفة بنك- أنّ كل فرد في هذه الحياة يحتاج لمن ينصحه ويقف إلى جانبه ويبين له أخطائه، مبينةً أنّه عندما تقدم لها نصيحة فإنها لا تتجاهلها، بل تفكر فيها جدياً وتأخذها بعين الاعتبار؛ ليقينها أنّ الآخرين يستطيعون تقييم الشخص أكثر من ذاته، لافتةً إلى أنّها تفضل أن تقدم لها النصيحة في السر وليس أمام الناس، لأنّ ذلك قد يحرجها أمام الآخرين ويحول النصيحة إلى فضيحة. من حقك رفض النقد بحجة حريتك الشخصية لكن لا يمتد تأثيرك السلبي إلى الآخرين حرية شخصية! وكشفت "ريم العتيبي" - طالبة جامعية - عن كرهها لدور الناصح لأيّ شخص مهما كانت صلة قرابته منها؛ لثقتها التامة بأنّه لا أحد يتقبل النصيحة مهما تظاهر بذلك، فلابد أن يبقى في نفسه شيء من الحنق ضد ناصحه، وهذا أمر لا تريده أن يحصل، مبينةً أنّها في المقابل لا ترغب أن تُقدم لها نصيحة من أيّ أحد، مشيرةً إلى أنّها تعتبر ذلك تدخلاً في شؤونها الخاصة، وذلك لقناعتها وإيمانها المطلق بالحرية الشخصية لكل فرد، ومبدأ التناصح يمكن الآخرين من اقتحام الحياة والتسبب في الإزعاج بحجة النصيحة. ووافقتها "منيرة السالم" -طالبة جامعية- التي اعترفت برفضها الشديد لمن يوجه لها النصح سواء من قريب أو بعيد، معللةً ذلك بأنّه يشعرها بالملل والوصاية على أفعالها، مضيفةً: "أنا أستطيع الحكم على تصرفاتي، ولست بحاجه لمن يوجهني ويفرض علي رأيه ورؤاه الشخصية، كما أنني أتذمر كثيراً من أسلوب بعض زميلاتي في الجامعة عندما تأتي لتنصحني وهي تعتقد أنّها الحكيمة والمسؤولة عن تقويم الآخرين، أو حين يكون هناك من ينصحك أمام الآخرين، أو في الأماكن العامة، وتحديداً الأسواق". حسن التعامل وأوضحت "حصة الحربي" -مشرفه تربويه- قائلةً: "توجيه النصيحة ضرورة اجتماعية، ونحن في عصر ينبغي أن نكون فيه أكثر رقياً ومقدرة على الإستماع للآخر وأن نحسن التعامل معه، كما أنّ التوجيه والنصح ليس جريمةً لكي يُقابل الناصح بالهجوم أو التذمر والسخط، خصوصاً إذا قدّم توجيهه بشكل مهذب، ولابد أن نقابل الناصح بابتسامة ونشكره مهما كان أسلوبه، ويكفي اجتهاده وحرصه على توجيهنا والأخذ بأيدينا". نساء يتذمرن من «أوصياء الأسواق» والأماكن العامة انصح نفسك ورأت "مها العبدالرحمن" أنّ النصيحة لا تصدر إلاّ من شخص محب ويهتم لأمر المنصوح ويود له الخير، مضيفةً "للأسف الشديد بدأنا نفتقد روح النصيحة في مجتمعنا، حيث يصعب أن تجد ناصحاً أمين ولا شخص مشفق عليك يهتم لأمرك، وأصبحنا في عصر المجاملات الكاذبة والمشاعر المزيفة والأنانية المفرطة، ويندر أن نشاهد من يأتي ليقوّم لك سلوكاً، ويأخذ بيدك لطريق الصواب"، مبديةً تحسرها الشديد على من يسخرون ممن يجتهد في تقديم النصيحة وقولهم له "انصح نفسك أول". الدين النصيحة وأفادت "د.هدى بنت دليجان الدليجان" -أستاذ مشارك في التفسير وعلوم القرآن بكلية الآداب بجامعة الملك فيصل في الأحساء- أنّ النصيحة من أعظم الأمور وعليها مدار الدين، بل هي مهمة الأنبياء والرسل، حيث قال تعالى: (وإني لكم ناصح أمين)؛ فهي مهمة عظيمة وليست وظيفة مخصوصة بأناس معينين، بل هي واجبة على كل من بلغه شيء من العلم، فالأم تنصح ابنها، والزوج ينصح زوجته، والمعلم ينصح تلاميذه، والأخت تنصح أخواتها، وبهذا تستمر دائرة النصيحة لكل صغير وكبير، وذلك لبيان الحق وهداية الناس إلى الرشد والسداد في الدين. وقالت إنّ النصيحة في اللغة العربية هي "من رقعة الثوب"، فسُحبت للمعنى الاصطلاحي فكأنما ترقع دين الرجل ومرؤته بقول أو فعل، مشددةً على ضرورة أن تكون مبنيةً على أساس من العلم، وأنّ تكون بسرية بين الناصح والمنصوح، كما يتطلب أن يعلم الناصح أن المسألة التي وقع فيها المنصوح حقيقة وليست ظناً أو مما نقل له، فيتحرى الصدق والأمانة العلمية والتثبت فيما نقل إليه، إضافة إلى أهمية أن تكون بأسلوب حسن، إذ قال تعالى «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة»، مؤكدةً على ضرورة أن يتقبل المنصوح النصيحة بصدر رحب وأن يبتعد عن الثأر لنفسه بالحقد أو الحسد أو التشفي من الناصح، وشكر الناصح وإظهار القبول لنصيحته والرغبة في المراجعة لفعله أو قوله، فمن أهم المهمات الاجتماعية هي سد الخلل ووحدة الصف فأيّ نصيحة يجب أن تكون مبنية على هذا الأساس الراسخ، وأن يُبتغى فيها وجه الله تعالى وليس الرغبة في تضخيم الخطأ والتشكيك في جهود الآخرين أو تصدر المجالس، معتبرةً أنّ ضعف النصيحة الآن بسبب قلة من يتقبلها، وظهور بعض الأخطاء سواء كانت مقصودة أم غير مقصودة من بعض الناصحين؛ مما زهد الناس في النصيحة وقبولها، والتشكيك في نية الناصح. أسلوب فظ وأشارت "خديجة العتيبي" -أخصائية نفسية- إلى أنّ غياب النصيحة في المجتمع مؤخراً بسبب ضعف التكافل الاجتماعي؛ مما أدى إلى غياب النصيحة، كما أنّ متطلبات العصر والعولمة ووسائل الأعلام شغلت الناس وجعلتهم في تيه عن الاهتمام بأمور غيرهم، مضيفةً أنّ هناك أسباباً خاصة متعلقة بالناصح، ومنها فظاظة أسلوب بعض الناصحين، خاصة عندما يقدم توجيهه في جموع الناس وبصوت مرتفع أو بأسلوب التوبيخ والحزم؛ مما يؤدي إلى النفور منه ويحدث نوعاً من الجفاء بينه وبين من قدمت له النصيحة، مشددةً على ضرورة أن يحذر الناصح من أن يتحول النصح إلى جدال واتهامات ومناقشات عدائية قد تأزم الموقف وتؤدي النصيحة إلى عداوة، كما يتوجب عليه إشعار المنصوح بالتقدير والاحترام له وأن يحسسه بقيمته ويحسن اختيار الأسلوب اللائق والبحث عن الجو النفسي الملائم والمهيأ للنصيحة ليساهم في تقبلها بشكل أكبر. وقال: إنّ الأسباب المتعلقة بالناصح تعتمد بدرجة عالية على شخصية المنصوح، التي لها أثر كبير في تقبل النصيحة من عدمها، فالشخصية الحساسة أو المضطربة قد تكون الأقل في قبول النصح لأنّ مجرد التوجيه قد يشعرها بالألم، كما أنّ الشخصية المضطربة والتي تفتقد الثقة ترفض النصح والتوجيه بشكل قاطع، وتعتبر كل توجيه لها هو أهانه وانتقاص من حجمها، مضيفةً: "كثيراً ما نشاهد عدم استماع البعض لمن ينصحه، بل وقد يصل الأمر إلى الاستهزاء به أو إيذائه ومهاجمته لمجرد أنّه حاول تقديم توجيه معين لشخص ما، وبعض أنواع الشخصيات الضعيفة يستخدم أسلوب التشكي بدلاً من البحث عن النصيحة والمشورة".