شهد العراق أمس يوما داميا في ظل أزمة سياسية متصاعدة من شأنها قلب الأوضاع العراقية رأسا على عقب، بعد إتمام الانسحاب الأميركي، الأمر الذي استدعى قطع السفير الأميركي في بغداد لإجازته والعودة على جناح السرعة، فيما دعت رئاسة مجلس النواب العراقي إلى عقد اجتماع لرؤساء الكتل البرلمانية اليوم لمناقشة الأزمة السياسية والأمنية في البلاد. فقد هزت بغداد صباح أمس سلسلة من الانفجارات التي استخدمت خلالها السيارات المفخخة والعبوات الناسفة مما أدى إلى مقتل 63 شخصا وجرح 176 شخصا، حسب المتحدث باسم وزارة الصحة زياد طارق الذي أكد حدوث 12 هجوماً. ومما زاد من أعداد الضحايا أن الهجمات وقعت في ساعات الصباح الأولى التي تكتظ فيها الشوارع بالسيارات والمارة. ووقعت الانفجارات في مناطق الكرخ والرصافة والكرادة والباب المعظم والشعب ومرأب العلاوي وحي العامل والشعلة وأبو دشير للمرة الأولى منذ انسحاب الجنود الأميركيين. إلى ذلك قطع السفير الأميركي في العراق جيمس جيفري عطلته التي حصل عليها بمناسبة نهاية العام الميلادي وعاد مسرعاً إلى بغداد برفقة مدير المخابرات الجنرال ديفيد بيتريوس فيما يبدو أنه مسعى جاد للتوسط بين الفرقاء العراقيين. وكان البيت الأبيض قد وجَّه دعوة لعقد مؤتمر وطني عام لحل المشكلات المعلقة. ووجدت تلك الدعوة صدى واسعاً، إلا أن كثيرين في واشنطن يتوقعون تفاقم الأزمة في ظل إصرار رئيس الوزراء نوري المالكي على الانفراد بالقرار. ويقول الباحث الأميركي في معهد بروكينجز، كينيث بولاك إن الإدارة لا تريد أن يتداعى الموقف في العراق أكثر، لأن ذلك يبرهن للجميع على خطأ مزاعمها بأن العراق يمثل "قصة نجاح" لسياستها هناك. وأضاف "إنها لحظة حساسة للإدارة التي قالت إنها مطمئنة إلى أنها تترك العراق في حالة استقرار نسبي، وأنه لا يحتاج من الأصل لبقاء القوات الأميركية للحفاظ على استقراره. إنه يبرهن على خطأ تلك المزاعم بصورة صارخة". ومع سعى الإدارة الأميركية المكثف للمساعدة على احتواء هذه المشكلة، إلا أن عضو مجلس الأمن القومي السابق فلينت ليفريت يصف هذه المساعي بمحاولة "رش السكر فوق الملح"، وقال "واشنطن لا تدرك عمق الخلل في الصيغة السياسية القائمة وعمق الخلافات بين مكوناتها مع غياب المشروع الوطني الموحَّد الذي بوسعه أن يضعف عناصر الفرقة ويدعم عناصر الالتقاء". وكانت الأزمة بين ائتلاف دولة القانون الذي يقوده رئيس الوزراء نوري المالكي والقائمة العراقية بزعامة إياد علاوي قد بلغت ذروتها بإصدار مذكرة قضائية باعتقال نائب الرئيس طارق الهاشمي بتهمة الإشراف على فرق موت. مما دفع التيارات السياسية المختلفة إلى طلب التهدئة وأن تحل كل القضايا عن طريق القانون. وكان الهاشمي قد أعلن أن السبب في طلب إيقافه واتهامه بارتكاب جرائم طائفية يعود إلى رفضه ابتزازاً سياسياً تعرض له من جهات لم يسمها، من ذلك إعلان مواقف سياسية معينة وتخفيف لهجته تجاه إيران وسورية، وإقناع أعضاء القائمة العراقية بالعودة إلى اجتماعات البرلمان.