إذا أردت استئصال فساد إداري أو مالي وحدك، فتلك مشكلة كبيرة وصعبة المنال حتى لو حاولت بشتى الطرق، أما إذا أردت التبليغ عن قضية فساد فالعملية سهلة وبسيطة، تبدأ باستقبالك ب"ابتسامة" موظفي الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وترحيبهم بعبارة "أنت شريكنا فنحن دونك لن ننجح" وتنتهي بتأكيدات تضمن لك السرية والتفاعل. بعد أيام من تلويح هيئة مكافحة الفساد بالتشهير بالجهات الحكومية التي لم تتجاوب مع مخاطباتها، زارت "الوطن" الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، ووقفت على مستوى عملها وطريقتها في استقبال البلاغات، وكشفت أنها تعوم فوق بحر من البلاغات التي وصلتها من المواطنين لترويض الفساد واقتلاع جذوره. الزائر لمقر الهيئة، حتى وإن لم يعرف عنها شيئا من قبل، فحتما سيعرف أنها في صراع للقضاء على الفساد، حيث تشاهد القضايا بأيادي باحثيها في ممرات الهيئة ذهاباً من مكتب إلى آخر لتقييدها وتدقيقها ومتابعتها، وصولاً لوضعها بيد المعني باستئصال الفساد محمد عبدالله الشريف "رئيس الهيئة" الذي يبقى طوال وقته في مكتبه لوضع الأطر وبناء أساسات متينة للهيئة لردع الفساد. ومن خلف زجاج شفاف، وعلى ارتفاع 60 مترا في الدور السادس من المبنى الجديد لهيئة مكافحة الفساد، وعقارب الساعة تشير إلى العاشرة وأربعين دقيقة صباحاً، حاول مندوب "الوطن" الذي زار المبنى للتعرف على فضاء مكافحة الفساد، وبدأ رحلة التجول تقابله ابتسامة موظفي "السكرتارية" وهم يشيرون إلى مندوب "الصحيفة" بالصعود إلى الدور السادس، ومن حوله تسعة "ستاندات" تشرح رؤى وأهدف الهيئة، وفي هذا الدور لم تكن بشاشة سكرتير "مكافح الفساد" محمد الشريف، بأقل من سابقه وهو يعرض خدماته للزائرين وتحويلهم إلى المكتب المناط به "إدارة البلاغات والشكاوى" الذي يديره موظف في العقد الرابع من عمره ترتسم على وجهه ابتسامة مع عبارة: "آمرني يا أخي كيف أقدر أخدمك" ويشير بالجلوس. وابتدرت "الوطن" بالسؤال حول كيفية التبليغ عن قضية فساد في حال خشي المبلغ الإفصاح عن نفسه، ليجيب الموظف "ما عليك إلا كتابتها وإرسالها لنا بالبريد الإلكتروني أو بالفاكس مع ترك حرية وضع اسمك من عدمها ونحن نتحقق من الموضوع بسرية ودون إلحاق الضرر بك ف"أنت شريكنا ودونك ودون أمثالك لن نصل إلى مرادنا بالقضاء على الفساد". حديث الموظف وطريقة شرحه ومعاملته للزائر تدل على حرص رئيس الهيئة على التعامل الحسن مع زائريه كونهم شركاء النجاح، واختتم اللقاء الموظف بابتسامة مماثلة لما بدر منه أثناء الاستقبال، وهو يبين لمندوب الصحيفة بأنهم أكثر حرصاً على القضاء على الفساد والاستدلال على مرتكبيه وملاحقتهم قانونياً. ولا تزال الهيئة في طور التهيئة للعمل، حيث إن موظفيها مازالوا محدودي العدد يعملون ليل نهار لسرعة الإنجاز، ولم تبدأ العمل بحشد من العاملين لكونها لا تزال تبحث عن موظفين من ذوي الخبرة الطويلة للاستفادة من قدراتهم للمرحلة المقبلة. ورغم ذلك، فإذا سألت مكافحي الفساد من موظفي الهيئة لماذا أقبلتم على العمل بالهيئة؟ فلن تجد سوى هم تحقيق القضاء على منبع الفساد ونشر النزاهة.