حين تنظر من نافذة الطائرة وهي في طريقها إلى مطار العاصمة الصومالية مقديشو يشدك الانتباه إلى الشواطئ البكر الجميلة الحالمة، ومنظر السهول الخضراء التي تمتد بشكل رائع، وهو ما يجعل عشرات الأسئلة تطرح نفسها حول إمكانية تحويلها إلى منطقة غنية، بسبب جمال الطبيعة الخلابة فيها، فدرجة الحرارة معتدلة طوال العام. وفي الطريق إلى القصر الرئاسي تصادفك المباني الجميلة المزخرفة التي تمتد على جانبي الطريق، لكنها مدمرة وبها علامات واضحة لمعارك طالت هذه المدينة، فلا جدار بلا آثار القذائف والطلقات وآثار الحرائق في كل زاوية من زوايا المدينة التي امتلكها الخوف والفقر، جعل نحو 200 ألف صومالي معظمهم من الأطفال يتركون مقديشو إحدى أروع مدن العالم في السابق بعد أن عصفت المجاعة بهم وهجرتهم إلى كينيا وإثيوبيا، تاركين خلفهم الخراب. فآثار الطلقات والقذائف أصبحت السمة البارزة على جدران المنازل في العاصمة الصومالية بعد أن كانت تدهن البيوت إلزاماً كل عام، وأصبحت الشوارع مليئة بالخراب بدلاً من الأزهار التي كانت تغطي الأرصفة حول القصور الفاخرة. منطقة منكوبة وقال الرئيس الصومالي شريف شيخ أحمد: إن توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ببدء الحملة الوطنية السعودية لإغاثة الشعب الصومالي لمواجهة خطر المجاعة هي بادرة إنسانية كبيرة تبين الأخلاق العربية التي لا تقبل رؤية المعاناة دون أن تساهم وتمد يد العون، وتكرس الإسلام في أروع صور التلاحم، موجهاً شكره أيضاً لكل من ساهم في الحملة لإغاثة إخوانهم في الصومال، الذين يعانون من وضع سيئ خصوصاً في المناطق المنكوبة وفي مخيمات الإغاثة"، وأشار إلى أن المعارك بين الجيش الصومالي بدعم من القوات الأفريقية لا تزال مستعرة مع قوات التمرد مما يتطلب تدخلا دوليا لمعالجة جذرية لهذه القضية". وأضاف الرئيس الصومالي خلال الحوار الذي أجرته "الوطن" معه في القصر الرئاسي "فيلا صوماليا": نرى محاولات أحادية لبعض الدول كالمملكة وتركيا وأميركا بالتعاون مع المنظمات الدولية، لكن غالبية دول العالم لم تعمل شيئا لمساعدتنا وتركتنا نغرق وحدنا في هذه المأساة". منظامت إرهابية وتوجهت "الوطن" خلال جولتها إلى مخيمات إغاثة اللاجئين في مقديشو، والتي لا يمكن اعتبارها خياماً، بل قطع قماش، تحاول الأسر الاحتماء بها من تقلبات الأجواء ما بين البرد القارس في الليل، وحرارة الشمس في النهار، وقد نزحت أفواج اللاجئين من كل مناطق الصومال بحثاً عن الماء والطعام. وأوضح السفير الصومالي في المملكة أحمد عبدالله محمد ل"الوطن" أن الأممالمتحدة فاوضت ميليشيا حركة "الشباب المجاهدين" في الصومال للحصول على ضمانات أمنية بشأن توزيع المساعدات، خصوصاً أنها تسيطر على المنطقتين المتضررتين من المجاعة، وهما باكول وشبيلي السفلى، وقد أدرجت الحكومة الأميركية هذه الحركة خلال العام المنصرم 2010 على قائمة "المنظمات الإرهابية". واعتبر السفير الصومالي أن الحركة تساهم في تعقيد جهود الإغاثة بهدف الضغط على الحكومة الصومالية ووضعها أمام صعوبات إنسانية لابتزازها ماديا ومعنويا، وفيما كان السفير يتحدث كان الجنود يمنعون اللاجئين من الاقتراب وهم يطلبون الطعام ويقولون: "أعطونا طعام.. أي طعام". وفي مستشفى بنادر في مقديشو، حيث لا توجد تجهيزات طبية حقيقية، والموت يترقب كل جسد ضعيف داخل هذا المكان مع غياب الأطباء والأدوية والتجهيزات، وتحوله إلى مركز لانتشار الأوبئة من تيفوئيد وكوليرا، صرخت مواطنة صومالية، وتحدثت إلى "الوطن" قائلة: "الموت أرحم علينا من الناس، لو مات ابني اليوم أرتاح من رؤيته يتألم من العطش والمرض والجوع وأنا عاجزة إلا من دعاء الله، أين المسلمون أين البشر لا أحد يعلم وضع الناس في القرى والأطفال هناك وحدهم تركوهم أهلهم لأنهم عاجزون عن حملهم". دعم صحي وعلق وزير الصحة الصومالي عبدالعزيز الشيخ يوسف ل"الوطن"، مؤكداً على أهمية الخطوة التي قام بها ولي عهد المملكة وزير الداخلية صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز، المشرف العام على الحملة الوطنية السعودية لإغاثة الشعب الصومالي، ب"تشغيل مستشفى بنادر في العاصمة الصومالية مقديشو، وتجهيزه بالأجهزة اللازمة والمواد الطبية العاجلة، وتحويله إلى مركز طبي متقدم من خلال توفير الوظائف الطبية العاجلة والمعدات الطبية وإنجاز الإصلاحات الملحة لتوفير الرعاية الطبية وتدريب الفرق الطبية المحلية وتهيئة مباني المستشفى واستبدال المعدات الطبية القديمة واستكمال الإعداد لغرف العمليات وليكون بسعة 700 سرير"، وقال "هذا المشروع يلمس حاجة ملحة لدينا وما تقوم به المملكة ليس مستغربا". إنقاذ عاجل كانت الحملة الوطنية لإغاثة الشعب الصومالي قد عملت على توفير مساعدات إغاثية بمبلغ تجاوز 200 مليون ريال جمعت من خلال الحملة التي دعا إليها خادم الحرمين فقامت مؤخراً بتسيير بواخر تمثل الجسر البحري، وهي محملة بالمواد الإغاثية المتنوعة والبالغ زنتها 3920 طناً من ميناء جدة الإسلامي إلى العاصمة الصومالية مقديشو، وشملت الحمولة "1500 طن من التمور، و720 طناً من السلال الغذائية المتكاملة، و540 طناً من العصائر والألبان، و600 طن من الأرز، و400 طن من الأغذية المتنوعة، و160 طناً من البطانيات والخيام والفرش، ويأتي تسيير هذه الباخرة امتداداً للجسر الإغاثي الجوي الذي تنفذه الحملة لمساعدة متضرري مجاعة الصومال، حيث سَيرت قبل ذلك 24 رحلة جوية حملت آلاف الأطنان من المواد الإغاثية المتنوعة". تبرع إضافي وأكد رئيس مؤسسة الوليد بن طلال الخيرية الأمير الوليد بن طلال بن عبدالعزيز ل"الوطن" أنه قام وحرمه نائبة رئيس المؤسسة الأميرة أميرة الطويل، بزيارة إلى الصومال في شهر رمضان، التقى خلالها بالرئيس الصومالي ورئيس البرلمان شريف حسن شيخ أحمد ورئيس الوزراء الصومالي بالإنابة عبدالوهاب أوجاسي، لتوضيح تضامن المملكة قيادة وشعبا مع الشعب الصومالي الذي يتعرض للمجاعة، بسبب أسوأ جفاف منذ أكثر من نصف قرن، مبيناً أنه قدم تبرعا إضافيا ب"مبلغ 7.5 ملايين ريال إلى ضحايا المجاعة بالتعاون مع الأممالمتحدة UN ومنظمة التعاون الإسلامي OIC منظمة المؤتمر الإسلامي سابقا، بعد تبرعنا الخمس ملايين ريال لحملة خادم الحرمين الشريفين"، مشددا على أن المملكة ليس من عادتها أن تلعب دور المتفرج في القضايا الإنسانية بل إنها تأخذ بزمام المبادرة لتكون دولة قائدة للعمل الإنساني حول العالم. وحول التبرع الإضافي بيَّن الأمير الوليد "أنه بالمناصفة لدعم حملة إدارة الشؤون الإنسانية في منظمة التعاون الإسلامي ودعم صندوق الأممالمتحدة الإنساني المشترك المسؤول عن توزيع المعونات المادية"، مشيراً إلى أن دعم منظمات الإغاثة المحلية والعالمية التي تقدم برامج طويلة المدى يساهم في ضمان أن هذه المأساة لن تتكرر لأنها مشاريع طويلة الأجل تستهدف تحديد المنتجات الزراعية الأفضل التي تتناسب مع المناخ في مختلف مناطق الصومال من جانب وتوفير مصادر المياه والتعليم والتدريب فهي تعطيهم فرصة الاستغناء عن المعونات الدولية. إلى ذلك قالت الأميرة أميرة الطويل إنها خلال زيارتها لمستشفى بنادر "شاهدت معاناة الأمهات ومدى صعوبة الوضع الطبي والإنساني في مقديشو"، مشددة على أهمية وضع خطة شاملة بالتعاون مع المنظمات الدولية والإنسانية والحكومة الصومالية تشمل كافة الجوانب المتعلقة بإخراج هذا البلد من حالة "التقهقر الأمني والاقتصادي الذي يؤثر على البنية الاجتماعية للشعب الصومالي وقدرته على التكيف مع هذه الظروف الصعبة"، مؤكدة أن المؤسسة ستقدم ما تستطيع لمساعدة شعب الصومال. وبينت ل"الوطن" أن القرارات التي تتخذ في المؤسسة تكون دائما "ذات أهداف إنسانية، لا أبعاد سياسية لها، فهي مؤسسة خيرية قدمت على مدى 3 عقود أكثر من 9 مليارات ريال لدعم مختلف دول العالم خلال الأزمات التي مرت بها، فهي تعمل بالتعاون مع المؤسسات المحلية في المملكة وعلى مستوى الشرق الأوسط وعالمياً على مكافحة الفقر والبطالة بشكل جذري وليس معالجة النتائج بل الأسباب ونشر ثقافة الحوار ما بين الأديان والحضارات بالإضافة إلى دعم المرأة والشباب، والرفع من مستوى الخدمات حول العالم من خلال دراسة ومعالجة بعض المواضيع المرتبطة بالبنية التحتية". 50 ألف مستفيد من جهته أكد الممثل الإقليمي للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لدى دول مجلس التعاون الخليجي بالإنابة حمدي بخاري، أن المفوضية نسقت مع إدارة الحملة الوطنية السعودية لإغاثة الشعب الصومالي واستلمت المواد الإغاثية خلال الجسرين الجوي والبحري السعودي وتوزيعها على النازحين الصوماليين. وقال "بلغ عدد المستفيدين من الإعانات الغذائية الواردة من المملكة نحو 40,927 صومالياً حتى بداية نوفمبر الجاري"، وأضاف "وقد تم توزيع مواد غذائية خلال الفترة 7-12 سبتمبر الماضي على نحو 22 ألف فرد في مخيمات بنادير للنازحين والمدارس ودور الأيتام، فيما تم في الفترة من 13-16 سبتمبر توزيع المواد الغذائية على19 ألف طفل في مخيمات النازحين في شبيلي السفلى والمدارس ودور الأيتام"، مبينا أن هذا النشاط يأتي كجزء من التعاون الاستراتيجي العريق بين حكومة المملكة والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في سبيل مساعدة اللاجئين والنازحين في مختلف أنحاء العالم، كما أنه غيض من فيض من الوقفات الإنسانية التي تقفها المملكة حكومة وشعباً بقيادة خادم الحرمين الشريفين إلى جانب الشعب الصومالي الشقيق للتخفيف من معاناتهم، وأضاف أن "هذه المواقف غير جديدة أو مستغربة من مملكة الإنسانية وتفتخر المفوضية بهذا التعاون مع الحملة الوطنية السعودية لإغاثة الشعب الصومالي". الأطفال ضحايا وأضاف "أن المفوضية وضعت معايير لتعريف المستفيدين وفق توجيهات إدارة الحملة، ووفق الظروف الأمنية والتحديات في الميدان، وبناءً على ذلك تقرر البدء بفئة الأطفال الأكثر حاجة الذين لم يستفيدوا من أية إعانات بعد"، مشيراً إلى أنه تم حتى تاريخه توزيع مواد إغاثية لنحو 10 آلاف طفل في المدارس ودور الأيتام والمستشفيات والمخيمات في مقديشو والمناطق المحيطة بها وهي (بنادير وأفقوي كوريدور وشبيلي السفلى)، مبيناً أن "الأطفال الصوماليين هم أكثر ضحايا أزمة اللجوء في القرن الأفريقي حسب آخر البيانات التوصيفية التي جمعتها المفوضية في إثيوبيا"، وأن أحدث تحليل ديموجرافي لتدفق الصوماليين إلى إثيوبيا أوضح أن "الأطفال تحت سن 18 يمثلون أكبر فئة من اللاجئين، أي ما يقارب 80% من 121 ألف لاجئ يتم إيواؤهم في 4 مخيمات في جنوب شرقي منطقة دولو أدو في إثيوبيا، كما أن أغلب الأسر تعيلها نساء وتتكون من عدد كبير من الأطفال بما في ذلك أقارب يافعون وأيتام". وأوضح أنه تم اختيار المناطق المستهدفة بناءً على مدى احتياج وضعف النازحين الجدد بها، وأعداد الأيتام، وأفقر الفقراء والأطفال المعاقين والمستضعفين الذي يقطنون بها ولم تصل إليهم أية مساعدات بعد. كما أثرت العوامل الأمنية في اختيار مناطق التوزيع للحفاظ على سلامة وأمن النازحين عند استلام المعونات.