تتابع العديد من الأسر الأعمال الدرامية ، ولاشك أن لهذه الأعمال تأثيراً على الأبناء من الجنسين بما تقدم من شخصيات ومواقف وقضايا اجتماعية، وبالنظر إلى النماذج التي تقدمها هذه الأعمال التي قد تكون سلبية، فإن بعض الأسر خاصة الأمهات يبدين تخوفاً من تقليد بناتهن في سن المراهقة لبطلات هذه الأعمال في سلوكيات خاطئة. أم عبدالله تشكو من تصرفات بدت غريبة على بناتها، سواء في اختيار ملابسها، أو في طريقة تحدثها، وانطوائها الغريب عن مجتمع العائلة، وتمردها على كثير من التوجيهات. قالت الأم إنها بحثت عن سبب هذه التغيرات لدى ابنتها، واكتشفت أن السبب مسلسل درامي تتابعه الابنة، وتضيف "تابعت المسلسل فوجدت أنه يجسد مواقف درامية مؤثرة، منها القسوة التي تتعرض لها بطلة المسلسل على يد أخيها، ومنعه لها من زيارة صديقاتها، وتابعت بالمسلسل رداً لفتاة على ذلك قائلة "هذه طبيعة المجتمع الذكوري، فالتسلط واضح"، وثالثة تقول "متى نتحرر من تسلط الإخوة علينا، وفرض آرائهم علينا". وترى أم عبدالله أن بعض المسلسلات يتطرق إلى بعض من عاداتنا وتقاليدنا ويناقشها بطريقة سلبية تنفر الفتيات منها، ومن بينها التطرق للزواج التقليدي بطريقة منفرة، وتقول " تزوجت أنا وغيري كثيرات بالطريقة التقليدية، ونجحنا في زيجاتنا ولله الحمد، ولا أدري لماذا كثير من المسلسلات التي تعرض تنفر بشكل أو بآخر من الزواج التقليدي". وتتابع قائلة "جميع الأسر خاصة في مجتمعاتنا المحافظة لا يمكن أن تسمح للفتاة بالتعرف على الشاب قبل الزواج، وكثير من الزيجات التي بنيت على علاقات خفية بين شاب وفتاة انتهت بالفشل، وتشتتت بسببها أسر كثيرة". وأضافت أم عبدالله "على فتياتنا أن يدركن أن الحالات السلبية للزواج التقليدي التي تطرح عبر الفضائيات ماهي إلا حالات نادرة، ولو كان هذا الزواج يشكل خطورة على الفتاة، ويهدد مستقبلها، ويسلب حريتها لما نجحت أمهاتهن في ذلك، وعليهن أن يدركن أن العلاقة قبل الزواج قد تشكل خطورة أكثر من الزواج التقليدي، فقد تنعدم الثقة بين الزوجين، ويفشل زواجهما جراء العلاقات التي تخالف طبيعة مجتمعاتنا الشرقية، سواء من خلال قنوات الاتصال الحديثة أو غيرها". وفي المقابل تؤيد فتاة جامعية ما يطرح في بعض المسلسلات الدرامية من قضايا اجتماعية ملحة كالتسلط الذكوري، والزواج التقليدي، وتقول "جميعنا نتعرض للتسلط في حياتنا اليومية، وتكاد لا تخلو أسرة من هذا التسلط على الفتاة، وعدم الثقة فيها، فعندما نرغب في زيارة إحدى الصديقات تطاردنا الاتصالات الهاتفية من جميع أفراد العائلة من بينهم الإخوة الذكور، وما أن تتجاوز الزيارة الساعة، حتى نتعرض للتوبيخ، والأب والأم صامتان، وكأن الأخ الذكر هو المسؤول عن تربيتنا". وتتابع "إحدى صديقاتي تزوجت بطريقة تقليدية جداً، وعانت كثيراً بسبب ذلك، مما أثر على نفسيتها، ووصل الحال بها الآن إلى معاناة جديدة، فقد أصبحت مطلقة بعد ذلك الزواج الفاشل". وتقول خلود الشمري: "لا أحد ينكر بأن مجتمعاتنا محافظة، ونحن لا نطالب بغير ذلك، ولكن من حق كل فتاة أن تتعرف على الشاب الذي سيكون زوجاً لها في المستقبل، بطريقة لا تخرج عن العادات والتقاليد، وذلك بأن تكون هناك مدة كافية لفترة الخطوبة، وإذا لم يتفاهما يتم الانفصال بشكل ودي، حتى لا تقع الفتاة فريسة سهلة في مجتمع لا يرحم، وتحوز على لقب "مطلقة"، الذي تفرضه العادات والتقاليد". وأضافت أن "الشرع سمح للفتاة والشاب بالنظرة الشرعية، التي قد تحدد مصير ذلك الزواج، ولكن للأسف حتى هذا الحق بات عيباً في نظر العديد من الأسر". وتقول أخصائية الطب النفسي الدكتورة هدى الحسن: "مما لا شك فيه أن التلفزيون يعد وسيلة مؤثرة، كونه يعتمد على الصوت والصورة، ويجذب العين والأذن في آن واحد، بما يعرض من تأثيرات مصاحبة كالألوان، وحركات الجسم، والتعبيرات المؤثرة التي تنعكس على الوجوه، وبالتالي يستحوذ على اهتمام جزء كبير من الجمهور، خاصة من شريحة المراهقين والشباب". وتضيف "كثير من الأعمال الدرامية تناقش بعضاً من القضايا الحية التي توجد في محيطنا الاجتماعي، وتمد المشاهد بالخبرات السابقة والتجارب والمعلومات، ولكن يجب أن نتعامل مع ما يطرح في المسلسلات الدرامية من قضايا تمس وبشكل خاص حياة الشباب أو الفتيات في المرحلة الجامعية أو الثانوية بحذر شديد، لأن هذه الشريحة من المجتمع تتميز بالعاطفة المرهفة، وتتعامل مع المؤثرات الخارجية بما فيها الأعمال الدرامية بحساسية مفرطة، فالشاب والشابة في مرحلة المراهقة أو ما بعدها كائن رقيق حساس يتأثر بالمؤثرات الخارجية أحياناً أكثر من الأسرة". وطالبت الدكتورة الحسن بتوعية الشباب بطبيعة العمل الدرامي الذي قد يجنح إلى المبالغة، وأن يستمتع الشاب أو الشابة بما يشاهد، ولكن بإدراك ووعي، مشيرة إلى أن كثيراً من المعلومات المقدمة لهم من خلال الأعمال الدرامية لا تصل إلى مرحلة الإدراك، ويتعامل معها الشباب فقط عن طريق العاطفة، ولا ينظرون إلى أبعد من ذلك، ويكون همهم الأكبر هو إثبات شخصياتهم، وعدم فرض السيطرة عليهم سواء من الأهل أو غيرهم.