ما بين القلم والورق، والإبرة والخيط، والمسحاة والنخل، عاش عبدالحميد محمد علي المسبح حياة العمل الدائب، إلى أن وافته المنية في التاسع من شهر شعبان الماضي عن عمر ناهز 105 سنوات، ونظم محبوه من أهالي قرية البطالية "شمال شرق" مدينة الهفوف التابعة للأحساء أمسية تأبينية له مساء الخميس الماضي. قال محمد ناصر المسلم إن الراحل باق في ذاكرة أهالي قرية البطالية بوجه خاص، والأحساء بوجه عام، مشيرا إلى أنه لم يكتف بإتقان المهارات والمهن التي أخذها عن والده، بل كان ذا نفس طويل يحب أن يتعلم، ويتقن كل مهنة سواء كانت ربحية، أو مجرد حرفة يستفيد هو منها في حياته اليومية. فإضافةً لمهارات والده فقد أتقن وتمرس الفلاحة، وعلى الرغم من تعدد مهارات الفقيد الحرفية إلا أنه اشتهر بصناعة الطواقي التي أخذها عن والده، والذي بدوره تعلم هذه المهنة عن طريق مشاهدته لشخص كان قد تعلمها في السجن إبان الحكم العثماني آنذاك. وذكر علي المحيسن أن للراحل لمسات في النجارة، وحباكة الكتب، وقد تعلم الكتابة والقراءة، وتدوين الوقائع التاريخية، فأتقن ذلك فنا وخطا في زمن قلّ فيه الكتبة، وكثر فيه الأميون، وإن من يرى بعض كتاباته فإنه يتيقن بأنه أمام خطّاط مُحترف ذي مواصفات عالية الجودة في كتابة ورسم الحرف العربي الأصيل. وأضاف المحيسن أن الراحل كان ينفذ الأعمال الحرفية بنفسه، ويحاول قدر الإمكان عدم الاستعانة بأشخاص آخرين، وحتى الأقلام كان يصنعها بنفسه، ويحاول إصلاح كل شيء فاسد، حتى الأوراق القديمة كان يجيد معالجتها، وترميم الفاسد منها، والمحافظة عليها بطريقة دقيقة جدا. وأبان علي جواد المسبح (أحد أقارب الراحل) أن "الأدوات الكثيرة والقديمة التي وجدناها لديه خير شاهد على ما لديه من مهارة وفنون، كما أنه كان على علاقة وطيدة مع الشعر، فقد كان يحفظ الشعر، وله قصائد كثيرة متنوعة العناوين والاتجاهات، اجتماعية وأسرية وقصائد خاصة بأصدقائه والأحداث والمناسبات التي كانت تمر عليهم آنذاك. وأضاف أنه اشتهر بقوة الذاكرة، وجودة الحفظ، مما جعله ذاكرة الأحساء ومرجعا لعدد من المؤرخين والأدباء والباحثين عن المعلومة القديمة، فقد كان ينقل الأحداث التي حدثت داخل وخارج البطالية بدقة متذكرا كامل التفاصيل والوقائع، وقد بقيت هذه الذاكرة بجودتها حتى آخر حياته، وقد كان يحفظ العديد من القصائد الشعبية التراثية، وبعض النصوص الشعرية لكبار الشعراء القدماء، إضافة إلى بعض الحوارات الشعرية التي كانت تبرز فيها قدرة الشاعر في المبارزات الشعرية قديما، فهو يذكر شعراء الأحساء الذين عاصرهم، ومنهم الشيخ عبدالكريم الممتن، والشيخ حسن العيثان رحمهما الله تعالى.