يستغل سماسرة سريون حاجة مرضى الفشل الكلوي لإنهاء آلامهم بعرض فكرة الزراعة سواء كان ذلك داخلياً أو خارجياً بمقابل مادي عن طريق زيارات خفية بين أسرة المرضى، في الوقت الذي يسمع فيه المرضى يومياً بأناس رحلوا عن الدينا بكليتين سليمتين دفنتا معهم كان يمكن لها أن تنهي معاناتهم أو تخففها. بيت ثان تسع ساعات -على الأقل- يحتاجها طالب المرحلة المتوسطة سعد صلاح المال كل أسبوع؛ للتخلص من المواد الضارة في جسمه عبر أجهزة غسيل الكلى البديلة؛ ولم يتصور أن يكون مركز الجبر للكلى في الأحساء هو البيت الثاني له في هذه الحياة الدنيا. وبدون الغسيل الآلي لا يستطيع خالد السليم العيش أو البقاء حيًا، ومثله مئات الشباب والشابات في أنحاء المملكة، وهذا المرض يزور كل فئة عمرية -صغارًا وكبارًا دون أن يستأذنهم-؛ ولكن عندما تفشل كليتا طالب وكذا من لم يتجاوزوا سن الزواج يكون الجرح أكثر إيلامًا، وأشد حرقةً. ابتسامه وصبر مركز الجبر للكلى الذي يقع في جنوب مدينة الهفوفبالأحساء قضت "الوطن" فيه 3 ساعات في نهار رمضان، يضم 280 مريضًا من الجنسين، من مختلف الأعمار منهم من أجبر على الإفطار للحفاظ على صحته من التدهور. وتجد في المركز المرضى متجاورين، فيكون في عقده الأول يجاوره ذو الستين أو السبعين عامًا، تعددت الأعمار والمرض واحد، بيد أن من قطعوا مشوارًا كبيرًا في حياتهم تعلو على محياهم الابتسامة والصبر؛ حتى إن المواطن خالد السليم وقد شارف على الخمسين عامًا رفض تبرعًا بكلية قُدِّمت له من أفراد عائلته؛ معللاً ذلك بأنه قطع من مشوار حياته الكثير، ولا يريد أن يؤذي فلذات كبده أو يعرضهم للخطر-هكذا قالها مبتسمًا-. والمتجول في ردهات المركز يجد أنه مهيأ بأقسامه المختلفة والعيادات المتنوعة، فخصص للمرضى الذين يعانون من الالتهاب الكبدي غرفة خاصة، وغاسلو البريتوني وحدهم، وغيرهم كذلك، بينما تستقبل عيادة مرضى الكلى وعيادة الزارعين مراجعيها والبالغ عددهم "170" زارعًا، يتابعون علاجًا واستقرارًا. تسبيح وتهليل في إحدى الغرف التقت "الوطن" بمجموعة من المرضى، بعضهم تزوج، وبعد أقل من سنة احتضنه الفشل الكلوي،-كما حدث ل"عبداللطيف الجغيمان"- وآخرون لم يقدموا على الزواج والسبب واضح -كما هي الحال مع محمود السعيد-؛ أما كبار السن فالابتسامة لا تغادر محياهم وهي واضحة على وجه ناصر الفايز، أما الكهل سالم علي المري فلا يغادره التسبيح والتهليل بذكر الله. وما يحرك شعور هؤلاء المرضى أن غرفتهم في الدور الثاني تطل على مقبرة مجاورة لهم، يرون فيها قبورًا كثيرةً وشواهد على مواضع أصحابها الذين رحلوا بكليتين سليمتين، فما ضر أصحابها لو تبرعوا بهما كصدقة جارية ونالهم أجر في الدنيا والآخرة،-هكذا لسان حال من يغسلون ويشاهدون المنظر من بعيد-، ومثل هذه المقبرة آلاف المقابر لمسلمين رحلوا بأعضاء بإمكانها أن تحيي أمواتًا على أسرتهم، والحال أن الدود له نصيب أكبر من أجسادنا جميعًا -جملة تنهد بها أحد المرضى- المتاجرة بالأعضاء. وبين حاجة المريض للتبرع أو الزراعة التجارية في الخارج يطوف على هؤلاء المرضى سماسرة سريون يعرضون على المريض -عن طريق الزيارة المخفية أثناء الغسيل أو خارج المركز- فكرة الزراعة في بعض الدول، مقابل أن يكون لهم نصيب من المال، أو يكون الاتفاق داخليًا حيث يأتي أحدهم ويخبر المركز أنه يريد التبرع لفلان بكلية -لوجه الله تعالى-؛ إلا أن مدير المركز السعودي للتبرع بالأعضاء الدكتور فيصل شاهين أكد في تصريح إلى "الوطن" أن أغلب الدول التي يبيع مواطنوها أعضاءهم أغلقت هذا الباب، بعد أن مورِسَت عليها ضغوط دولية تضمنت منع المتاجرة بالإنسان، وأن هذا العمل يعتبر خارج المهنة الطبية وأخلاقياتها، ومن بين الدول التي منع فيها البيع هي الفلبين والباكستان"، موضحًا أن وزارة الصحة في المملكة لا تشجع الزراعة التجارية في الخارج، في حين تتبع في ذلك الطريقة الشرعية التي أجازها الفقهاء وهي التبرع فقط لاغير. عدد زارعي الكلى وكشف الدكتور فيصل أن عدد زارعي الكلى في السعودية يبلغ 10 آلاف شخص، وهم في طور المتابعة والرعاية؛ لأن مِن هؤلاء "ما نسبته 5 إلى 10% قد تفشل زراعتهم ويحتاجون للغسيل بعد عدة سنوات تتراوح ما بين 13 و15سنة"، كاشفًا عن وجود 178 مركزًا لغسيل الكلى في السعودية، تخدم 13 ألف مريض يغسلون فيها، وهذا العدد مرشح للزيادة تتراوح ما بين 500 – 600 مريض سنوياً، وأضاف "أن تكلفة غسل المريض الواحد تصل إلى 110 آلاف ريال خلال السنة ل144 جلسة غسيل". أسباب الفشل وحصر أخصائي كلى في مركز الجبر الدكتور إسماعيل الذبيح الأسباب الرئيسة للفشل الكلوي في مرضى الضغط والسكري، وبعض الأمراض الوراثية مثل تكسر الدم وتكيس الكلى، والتشوهات الخلقية، وبعض المواد الكيماوية، والمياه المشبعة بالإشعاع، والمواد الحافظة، والالتهابات، وأضاف الدكتور إسماعيل "المخدرات ومادتها السمية العالية حيث تؤثر سلبًا على الأوعية الدموية وبدورها تضعف الكلى تمامًا، وكذلك فإن التدخين له تأثير غير مباشر عندما يرتفع الكلسترول بسببه؛ ليرتفع الضغط تبعًا له"، معتبرًا أن "التغذية تلعب دورًا مهمًا في الحفاظ على سلامة الشخص، ومنها الاحتياط من الوجبات السريعة وكثرة الدهون والأملاح". ودعا الدكتور إسماعيل إلى الاهتمام بمتابعة حالتي الضغط والسكري؛ إذ إن سلامتهما واستقرارهما بصحة جيدة يجنب الشخص الفشل الكلوي، وهذا يحتاج إلى استجابة المواطن ومبادرته في المشاركة من خلال التوعية الصحية التي تتبناها وزارة الصحة. تحجيم المرض ورأى الدكتور شاهين أن تحجيم المرض والسيطرة تبدآن من الطب العلاجي، والمؤسسات الأخرى التي تهتم بمعالجة الأمراض الرئيسة المسببة للفشل ومنها "الضغط والسكري" والحفاظ على علاجهما يقلل بنسبة كبيرة جدًا من الإصابة بالفشل، وهناك عوامل وراثية إذا اكتشفت مبكرًا يمكن علاجها والسيطرة عليها قبل الفشل، مؤكدًا أن هناك أدوية شعبية ومسكنات تؤخذ بدون وصفات ستكون سببًا آخر يضاف للضغط والسكر مستقبلاً، وأشار أن مراكز الكلى تتجه إلى عمليات غسيل أفضل من السابق، وذلك عن طريق الترشيح الدموي والبريتوني، وهاتان الطريقتان سهلتا على المريض كثيرًا وأراحته من متاعب مختلفة، سواء من صغر الآلات أو التي تكون في المنزل وتغسل المريض ليلاً وهو نائم دون أن يشعر بالإرهاق ويمارس حياته نهارًا بشكل طبيعي. تشجيع الزراعة استشاري الكلى في مركز الجبر الدكتور غسان عبدالعظيم أكد أن "زراعة الكلى والتبرع بها-خصوصًا بعد الوفاة على الأقل- سيجنب الكثير من المرضى الذي يغسلون جملة من الأمراض التي قد تصاحب الغاسلين ومنها أمراض القلب والضغط، أو الوفاة المبكرة -لاسمح الله-، وهي توفر أموالاً كثيرة تصرف على الغاسل، إضافة إلى عودة المريض لممارسة حياته الطبيعية والاجتماعية وتجنبه الدخول المستمر للمستشفى، ونصح الدكتور غسان جميع من يستطيع الزراعة إلى الاستعجال بها -وقت توفرها سواء من الأحياء أو المتوفين دماغيًا أو بعد الممات-، داعيًا عموم المواطنين إلى التبرع بأعضائهم بعد الممات، تاليًا قوله تعالى:( وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا).