أكدت دراسة اجتماعية حديثة أن أكثر من نصف الشباب السعوديين يتعرضون للمضايقات عند حضورهم للفعاليات السياحية داخل المملكة. وتأتي الدراسة التي قام بها مركز أسبار للدراسات والبحوث والإعلام بالتزامن مع انطلاق الفعاليات السياحية في جميع أنحاء المملكة بهدف توفير مناخ سياحي محلي للمواطنين والمقيمين وصرفهم عن السفر إلى خارج البلاد، حيث توقعت مصادر تعمل في مجال الاستثمار السياحي إنفاق السياح السعوديين مبالغ تصل إلى 30 مليار ريال سنويا، في حين أكدت مصادر الهيئة العامة للسياحة والآثار زيادة في نسبة الإنفاق على السياحة الخارجية بمقدار 16%. وذكر مدير عام البرامج والمنتجات السياحية في الهيئة العامة للسياحة والآثار حمد آل الشيخ أن الرحلات السياحية المغادرة خارج السعودية للفترة من يونيو حتى نهاية سبتمبر المقبل ستصل إلى 1,61 مليون رحلة مقابل 1,59 مليون رحلة متحققة للفترة نفسها من العام الماضي بمعدل نمو يصل إلى 1 % وتمثل دول الشرق الأوسط أولى وجهات السياحة الخارجية للسعوديين بنسبة 50 % من إجمالي الرحلات تليها دول الخليج بنسبة 32 %. وفي المقابل، قدرت الهيئة إيرادات السياحة الداخلية خلال العام الماضي ب 66 مليار ريال وتوقعت أن تصل إلى مستوى 118 مليار ريال عام 2015, و232 مليارا عام 2020. 4 ملايين سائح خارجياً وحسب رئيس المنظمة العربية للسياحة الدكتور بندر آل فهيد فإن 4 ملايين سائح سعودي يغادرون المملكة كل عام لقضاء إجازتهم في الخارج ينفقون خلالها مايقارب 40 مليار ريال، وأضاف "مع أن لدينا في المملكة 10 آلاف موقع أثري، وطبيعة متنوعة إلا أن هذا المورد الكبير لا يستثمر بشكل كاف، فالتحدي الذي يواجه المملكة حسب آل فهيد هو توفير وظائف للعاطلين عن العمل، ووحدها السياحة قادرة على حل هذه المعضلة"، وحدد عدة عوامل للتقدم في المجال السياحي، وعلى لسان رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار الأمير سلطان بن سلمان، نقل آل فهيد قوله "إن أحد التحديات هو في إيجاد المناخ المناسب للمستثمرين في المجال السياحي، وخلق شراكة بين القطاعين العام والخاص، وإن أحد عوامل نجاح السياحة هو في توفر الكادر البشري الذي يقوم على خدمة السياح". في حين قدر وزير العمل المهندس عادل فقيه أن استراتيجية السياحة التي تتبناها الهيئة ستوفر 1.5 مليون وظيفة مباشرة وغير مباشرة وأن المجال في هذا القطاع ملائم لتوفير فرص عمل كثيرة للمواطنين كجزء من سياسة لتوطين الوظائف يتم تطبيقها بصورة مرنة وتدريجية حيث من المتوقع أن يوفر القطاع السياحي 590 ألف وظيفة بنهاية عام 2014. معوقات السياحة غير أن هناك اعتبارات عديدة تعيق التقدم في هذا المجال منها البيئة الاجتماعية كما ذكر ل"الوطن" المرشد السياحي أحمد المالكي، بقوله "نحن نواجه عدم التفهم لطبيعة عملنا من رجال الأمن والحراسات في نقاط التفتيش، حيث إن بعضهم لا يتفهم معنى وجود سياح برفقتك، إضافة إلى عدم استجابة من مديري المتاحف والمواقع الأثرية التي نحتاج إلى زيارتها لمتطلبات السياحة"، وتابع "كما أن المجتمع السعودي بحكم تكوينه الثقافي يتمسك بالخصوصية، وهذه تعيق عملنا كمرشدين سياحيين، كما أننا لسنا في وظيفة ثابتة فنحن نقوم بالإرشاد السياحي خارج عملنا الرسمي، وحسب ما تتطلبه المكاتب السياحية". وهو ما يوضح ما ذكره الدكتور آل فهيد حول عدم توفر كوادر مدربة كافية في قطاع الصناعة السياحية، كما أن دراسة أسبار تؤكد ذلك بالقول "إن أكثر من 50% من الشبان المترددين على الأنشطة السياحية يشتكون من مضايقة موظفي الحراسة ورجال الأمن ومسؤولي هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتظهر إحصائيات الدراسة بشأن الشباب الذين يتعرضون للمضايقات أن كلا من منطقة عسيروالمدينةالمنورة هي الأعلى من بين بقية المناطق حيث تصل نسبتهم في المدينةالمنورة إلى 60,4% من بين المستطلعة آراؤهم وتصل في عسير إلى 67,4%، في حين تنخفض هذه النسبة إلى نحو 29,7 % في تبوك". العوامل المشجعة لحضور الفعاليات وأظهرت الدراسة أن المضايقات وبعد المسافة وإقامة الفعاليات في وقت غير مناسب هي من الأسباب التي تبعد الشباب عن حضور الفعاليات السياحية، غير أن ثمة عوامل جاذبة، أهمها إقامة الفعاليات في أوقات مناسبة ونال هذا التوجه أعلى نسبة من بين العوامل الجاذبة بنسبة 74,7% ممن أدلوا بآرائهم، في حين كان اهتمامهم بوجود رقابة عليهم متدنيا بالنسبة للعوامل الأخرى حيث أجاب 39,3% منهم على عبارة "عدم الشعور برقابة الآخرين". وإذا كانت الرقابة غير ذات أهمية بالنسبة للشباب من الجنسين فإن اهتمامهم بالجانب الثقافي لاكتساب المعلومات نال نسبة جيدة من اهتمامهم بلغت 60,2% وتبدو الفتيات أكثر اهتماما بالجانب الثقافي من الشباب بنسبة ضئيلة هي أقل من 2% لكنها تعبر عن طبيعة اهتمام الجنسين كل على حدة، وتحتل جازان المرتبة الأولى في اهتمام شبانها وشاباتها بالعامل الثقافي في الأنشطة السياحية حيث وصلت نسبتهم إلى 75%، بينما انخفضت نسبة المهتمين بالثقافة في نجران إلى 20%. ويعطي أهل جازان أهمية كبرى لمشاركة العائلة في حضور الفعاليات السياحية، وتكاد تتساوى منطقة الحدود الشمالية في هذه الميزة بنسبة 75% إلى 71,8% في حين أن اهتمام منطقة الجوف لم يكن على نفس المستوى وصوت 42,7% منهم لصالح أهمية حضور الأسرة. الفصل بين الجنسين ولعل أهم ما في الدراسة هو استطلاع رأي الشبان والشابات في الفصل بين الجنسين في الفعاليات السياحية، وتشير الدراسة إلى ميل الشباب الذين يقيمون في المناطق الريفية لفصل مواقع النشاطات السياحية للجنسين مقارنة بالشباب الذين يقيمون في المراكز الحضرية، حيث إن نسبة من يعتقدون بأن الفصل مهم بدرجة كبيرة تبلغ 59,4 % للذين يقيمون في المناطق الريفية مقارنة بنحو 50,6 % للذين يقيمون في المناطق الحضرية، كما لوحظ ارتفاع نسبة من يعتقدون أن الفصل بين الجنسين في مواقع الفعاليات السياحية "قليل الأهمية" لسكان المناطق الحضرية مقارنة بسكان المناطق الريفية، حيث تبلغ النسب المئوية 13,6 % و 10,2 % على التوالي. ويذهب الشبان والشابات نحو التآلف مع أقرانهم من نفس الجنس، وهو ما يؤشر إلى أهمية العلاقات الاجتماعية الجاذبة إلى التلاقي في الفعاليات السياحية، حيث يمكن للأصدقاء والصديقات، وأبناء الأقارب قضاء وقت ممتع مع بعضهم البعض بعيدا عن رتابة البيت، ويأتي هذا العامل في طليعة العوامل المؤثرة على جذب الشباب من الجنسين في حضور الفعاليات السياحية، بمختلف أنواعها سواء كانت فعاليات رسمية أو خاصة، ويولي الذكور اهتماما أكبر بهذا الجانب ولكن بنسبة ضئيلة عن الإناث تتجاوز 5% حيث أعطى 432 شابا وهو عدد يمثل نصف العينة تقريبا أهمية عالية لوجود أقران لهم للمشاركة في حضور الفعاليات، في مقابل 430 شابة. وتشير الدراسة إلى وجود اختلاف بين الشباب في مدى أهمية عامل وجود اقتران بنفس الفئة العمرية في تشجيعهم على حضور الفعاليات والنشاطات السياحية حيث يتضح أن الأصغر عمراً "15- 19 سنة" يهتمون أكثر من نظرائهم الأكبر عمراً في وجود أقران بنفس الفئة العمرية للتشجيع على حضور الفعاليات والنشاطات السياحية، وقد بلغت نسبة من يرون أن ذلك "مهم بدرجة كبيرة" 50,7% عند فئة "15- 19 سنة" مقابل 45,5% لدى فئة "20 – 24 سنة"، وانعكست الفوارق بين من يرون عدم أهمية وجود أقران بنفس الفئة العمرية لتكون النسبة 7,1% عن صغار السن مقابل 11,8% عن الفئة العمرية "20 – 24 سنة". وبدا أن الشبان الجامعيين أقل اكتراثا بوجود أقران لهم في الفعاليات، فقد تدنى اهتمامهم بهذه الناحية عن الشبان الذين أكملوا المرحلة الثانوية وهؤلاء بدورهم يقل اهتمامهم عمن لم يكملوا المرحلة الثانوية، غير أن النسبة بمجملها تصل إلى ما يقارب 50% من إعطاء أهمية كبيرة لهذا الجانب، وعلى مستوى اهتمام الشبان والشابات في هذا الجانب على مستوى المناطق فقد كانت متقاربة مع فروق ضئيلة حيث تراوحت بين 53,8% في الباحة و40% في حائل. وجاء لقرب مكان الفعاليات من السكن دور كبير في جذب الشباب إلى الفعاليات السياحية، وأشارت الدراسة إلى وجود بعض الاختلافات بين الشباب في مناطق المملكة المختلفة حول أهمية قرب مكان تنظيم الفعاليات والنشاطات السياحية في التشجيع على حضورها. وتبين الأرقام أن أهمية قرب المكان تزيد في بعض المناطق مثل جازان 61.6 % والحدود الشمالية 61.5 %، بينما تنخفض أهمية قرب المكان في مناطق أخرى مثل نجران 25.6 %، وحائل 35.7% والقصيم 41.4 %. المعوقات التنظيمية والإدارية تعدد الدراسة 12 عاملا من المعوقات التنظيمية والإدارية التي تعرقل تنظيم الفعاليات والنشاطات السياحية للشباب، حيث رصدت دراسة قام بها مركز المعلومات والأبحاث السياحية "ماس" التابع للهيئة العامة للسياحة 43 معوقاً تواجه صناعة السياحة في المملكة، ومنها تداخل الصلاحيات بين المؤسسات العاملة في مجال الفعاليات السياحية، عدم وجود حدود واضحة بين الممنوع وغير الجائز والمسكوت عنه في تنظيم الفعاليات السياحية، غياب الثقافة السياحية لدى المجتمع بمكوناته الرسمية والشعبية، وباستثناء الباحةوعسير لم يذكر المستطلعة آراؤهم في بقية المناطق السعودية أي دور لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأجهزة الأمنية في إعاقة الفعاليات من الناحية التنظيمية والإدارية، وأجاب شبان وشابات عسير على سؤال عن المعوقات بالقول "يوجد تعدد في الجهات التي تراقب المواقع التي يرتادها الشباب شرطة، وهيئة الأمر بالمعروف متعاونين ومحتسبين"، في حين كانت الإجابة في منطقة الباحة: هناك تدخل من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في النشاطات والفعاليات السياحية"، بينما اعتبر شبان وشابات مكة أن إحدى المعوقات هو تفسير كلمة "عوائل" في بعض المتنزهات بأنها تعني النساء فقط. وساقت الدراسة اقتراحات كل منطقة حول تطوير الفعاليات السياحية لعل من أهمها اقتراح شبان وشابات الرياض بإشراك الشباب من الجنسين في اللجان التنظيمية التي تتولى الفعاليات السياحية، مما يعني أن معظم النشاطات السياحية يتم التخطيط لها وتنفيذها من قبل لجان قد لا يكون لديها دراية كافية باهتمامات الشباب ومن ثم تفشل الفعاليات، وبالتالي فإن إشراك الشباب في اللجان المنظمة قد يكون حلاً مناسباً، وقد يكشف عن اهتمامات ونشاطات سياحية مبتكرة قد تغيب عن أذهان المخططين، فهل تخفف كل هذه المقترحات من تدفق الشباب السعوديين إلى قضاء صيفهم خارج البلاد حيث ينفقون 40 مليار ريال سعودي.