ما الذي تفعله أشكال الحروف الثمانية والعشرين في روحه؟. كيف يأسره حرف النون بشدة؟. لماذا تتسمر الريشة بين أصابعه عندما يخط "يس" و"طه" و"ألم" و"ن والقلم" و"إذا زلزلت الأرض" و"عم يتساءلون"؟. هذه الأسئلة تجيب عنها عذابات الخطاط عبدالله المحمد صالح الذي وجد نفسه – وليس فجأة - ملتصقًا بحروف اللغة، فرسمت الجمال الفني لشخصيته الروحية، حتى إنه يراها في منامه، بل إن سماعه للمفردات ممن حوله أصبح يشكل له هاجسًا، فيسمعها بالنظر إلى المتحدث على شكل دواة وقصبة. المحمد صالح ينظر للحرف العربي – الذي يعتبر أن القرآن الكريم هو الذي أعطاه هذه الهيبة - على أنه منهلٌ عذبٌ لا يتجمد ولا ينضب أبداً؛ ولأن المتصفح للوحاته – وغالبيتها بخطوط متنوعة – لا يكاد يفرق بين اللوحة التشكيلية الفنية وبين نماذج الخطوط للآيات والعبارات الأخرى. ومن خلال وقفة معه تجده يتعامل مع الحروف وكأنها كائنات حية تتحرك مع قصبته كالأسماك في بحارها، فتعطي الناظر لها جمال الأشجار و زرقة البحر، وأحيانًا تتحول إلى أشياء كل ما يمكن القول عنها أنها تجذب عيون الناظرين إليها كالمغناطيس مع الحديد أينما التفتَ التفت معه. ويتحدث الخطاط عبدالله عن تجربته كونه عاشقًا لهذا الفن الأبجدي منذو المراحل الدراسية الأولى وتبلورت عن طريق الخط على الصحف المدرسية ثم العمل التجاري حتى وصل إلى الخط الفني الذي يرتكز على سبر أغوار الحروف ومحاولة قراءة ما تحمله من معانٍ وطاقات. وركز خلال عشقه على دراسة الخط من باب التراث الذي تحدث عنه جملة من العلماء ومنهم ابن عربي الذي نظر إلى الحروف "على أنها أمة من الأمم"، وشدته كثيرا العبارة الخالدة "الخط هندسة روحانية ظهرت بآلة جسمانية"، ويعتبر الخطاط عبدالله أن الحروف أشبه بالكائنات الحية، ولا يجد أي فرق بين حالات الإبداع على اختلاف صورها سواءً الحالة الشاعرية أم الخطية، فما يعتري الشاعر لحظة كتابة القصيدة من توتر وقلق لاينتهي إلا مع اكتمالها هي الحالة نفسها مع الخطاط بل تلازمه في منامه ومخيلته. وأضاف "إننا لا ننظر إلى الحروف على أنها ساكنة وجماد بل متحركة وممتدة، لها أشكالها وأصواتها وأسماؤها المختلفة، ونسعى إلى تحرره من شكله التقليدي/ الرسمي. وحول ما يردده المتابعون لهذا الفن "فرغم عربية الخط إلا أننا نلاحظ أن المسيطرين على قصبته هم الخطاطون الأتراك وليس العرب" أوضح المحمد صالح أن الفن لكل الناس ومن يستطيع التعامل معه بإخلاص ويهبه كله فإن الحرف يهبه الجدارة وتسنم المراكز العليا، وهذا ما حدث مع الأتراك، وإن كان العرب هم الذين اخترعوا وابتدعوا أشكال الحروف في فن الخط العربي مِن لا شيء كان قبلها؛ ولكن للأسف لم يولوا هذا الفن الرعاية الكافية، فذهبت منهم الريادة والجدارة إلى غيرهم. وأشار إلى أنَّ المعارض التي تقام لعرض لوحات الخطاطين لاتكفي لأن ينثر الخطاط إبداعاته فيها، وإنما المطلوب هو الحراك الثقافي الخطي بفعاليات متنوعة كالندوات والمحاضرات والمسابقات والدورات ؛ لأن فن الخط يتأثر بأقل برود في ممارسته، كما أن الذائقة الفنية للخط لدى عامة الناس لم تصبح في متناولهم ولم يدركوا فن تذوقها بعد وفعاليتها في النفس، ولم تصل إلى المستوى المرغوب، وهذا ناتج من عدم الاهتمام به، حتى بات من سقط المتاع قياسًا ببعض الفنون الرياضية أو الموسيقية. وأرجع المحمد صالح تطور الخط بما قدمه القرآن الكريم له؛ لأنه تكفل بخلود الحروف العربية "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" إضافة إلى بثه روح المنافسة داخل للخطاطين من أجل تجويد الخط العربي في كتابته، وبفضل ذلك وصلنا إلى هذه المرحلة من التطور؛ مؤكدًا إمكانية ابتكار خطوطٍ جديدة غير التي صنفها الأوائل عن طريق الحاسب؛ ولكن تبقى الخطوط الرئيسة التي ابتدعها الأولون على متربعة على الهرم بحبرها اليدوي والقصب المشطوف. وتابع "إن الغربيين"ينظرون إلى خطنا العربي بكل إعجاب وتأمل لا مرورَ الكرام، وخاصة عندما يرون التموسق على ظهر الورق كأنه نوتة موسيقية، من خلال الاستطالات وحركات التزيين التي لاتوجد في أي لغة في العالم، هذا فضلاً عن الكتابة التي تبدأ من جهة اليمين في حين أنهم يبدؤون من اليسار، واستشهد بقول الفنان العالمي بيكاسو "إن أقصى نقطة أردت الوصول إليها في فن الرسم وجدت الخط الإسلامي قد سبقني إليها منذ زمن بعيد". ولم يمل المحمد صالح كثيرا إلى الرأي القائل عندما يبيع الخطاط لوحة له فهو باع جزءً من أعضائه، ومن الصعب أن يسلم شيئا من جسده مقابل مال، وفي المقابل يرى آخرون أن بيع اللوحة كمن يتبرع بدمه لإنقاذ الآخرين.