فتيات أفنين سنوات أعمارهن على مقاعد الدراسة بجد ومثابرة طلبا للعلم من أجل نيل الشهادة الجامعية والتأهل للحصول على وظيفة (معلمة أو إدارية) تمنحهن تذكرة العبور لمرحلة عمرية قيل عنها مرحلة تحقيق الأحلام وقطع دابر الفقر والعوز الذي لازمهن وأسرهن طيلة سنوات، رضعوا فيها الهم واقتسموا الشقاء من أجل مستقبل الأسرة وحلمهن الواعد. ويجيء الواقع في ختام رحلة الكفاح ليطيح بأحلام الفتيات بقسوة ولا يجدن أمامهن إلا العمل تحت مسمى "مندوبة مبيعات". وحتى تلك الوظيفة التي يقبلنها على مضض تحت ضغط الحاجة ليست متاحة للجميع منهن بل هي فقط لمن ابتسم لها الحظ على حد تعبيرهن بالانتساب لإحدى المؤسسات التجارية للعمل بها، ولتدفعهن تلك الوظيفة للعودة إلى مدارسهن من جديد، ولكن ليس للدراسة أو العمل كمعلمات كما تمنين ولكن ليبقين في فناء المدرسة للترويج لبضاعتهن. فيما لا تجد أخريات سوى منازل الجارات مكانا لترويج بضاعتهن ويعملن ك"بائعات جائلات". ولا تتوقف الصعاب التي يواجهها العديد من الخريجات في منطقة جازان عند حد الحصول على العمل أو مشقة العمل نفسه، بل يمتد إلى حاجز الخجل ونظرة المجتمع لهن التي يجدن أنفسهن مضطرات لمواجهتها عن غير رغبة بعد أن أوصدت بوجوههن كل أبواب التوظيف، وبعد أن أيقنت كل واحدة منهن أن شهادتها الجامعية لم تكن سوى تذكرة مؤكدة للدخول في مرحلة جديدة من رحلة الشقاء لا تختلف عن سابقتها سوى أنها تسير بلا هدف هذه المرة. وتقول المواطنة أمل أحمد وهي واحدة ممن امتهن منهة مندوبة مبيعات: أنا متعلمة وأعمل بهذه المهنة منذ سنتين رغم عدم قناعتي بها إلا أنها أفضل من انتظار إخوتي والركون إليهم لإعطائي المال، فأنا عاطلة ولا أملك دخلا يفي باحتياجاتي. وتقول نادية حسن "في الثامنة والعشرين من عمرها": اتجهت للعمل كمندوبة مبيعات بعد أن فقدت الأمل في أن أصبح معلمة، لذلك قررت أن أنسى شهادتي التي لم تفدني يوما، كما أن ظروف أسرتي القاهرة كانت أقوى من أن أستسلم لحاجز الخجل بالرغم مما أتعرض له في كثير من الأحيان من سخرية أو استهانة من بعض قريباتي وصديقاتي. أما المواطنة أسماء عواجي فقالت: رغم التعب الذي يعتريني بسبب المرض أحيانا لا أجني أكثر من 10% من سعر السلعة على الرغم من انخفاض السعر فتضيع علي نسبة الربح المتفق عليها مع المؤسسة التي أعمل بها كمندوبة مبيعات، مع أن سعر السلع المعروضة مغر جدا ففي المتوسط لا تتجاوز الثلاثين ريالا. وتقول مندوبة المبيعات أمجاد: لا حقوق لنا ولا رواتب شهرية منتظمة وهناك مخاطر كثيرة نكون عرضة لها وفي غالب الأحيان نضطر لدخول المنازل دون أدنى معرفة بأصحابها. وفي الجهة المقابلة وعن كيفية تعامل المواطنين مع الفتيات المكافحات، تقول ربة المنزل أم شهد: أقوم بشراء أغراض لا أحتاجها من هؤلاء المندوبات من باب المجاملة والمساعدة وجبرا لخواطرهن، لأنني أشعر بالأسف والأسى معا تجاههن وتجاه أحلامهن التي اغتيلت بهذا الشكل. وتقول المواطنة هالة حسين: حينما تأتي لي فتاة جامعية لتعرض بضاعتها تجتاح رأسي موجة من التساؤلات أهمها لماذا تضطر فتيات في مقتبل العمر للعمل في هذا المجال. ومن جهته أوضح مدير صندوق الموارد البشرية بمنطقة جازان بدر الرشيدي أن في مجتمعنا السعودي المحافظ هناك صعوبة تواجه عمل الفتيات مندوبات مبيعات، لذلك لدينا تحفظ في هذا الخصوص. وأشار الرشيدي إلى أنه لا يوجد حتى الآن دعم مخصص للمندوبات، ولدى الصندوق برنامج دعم للمنشآت الصغيرة بفرع جازان لدعم عدد كبير من النساء، وبرنامج التدريب المنتهي بالتوظيف الذي نقوم من خلاله بتدريبهن لفترة ثلاثة أشهر حسب الإجراءات ثم نقوم بتوظيفهن، بالإضافة إلى أن هناك تنسيقا مع مؤسسة الملك عبدالله لوالديه للإسكان التنموي لتوظيف 500 فتاة طالبة للعمل في ديحمة.