مشاهد تتكرر كل عام، على تلك الربوع الخضراء في السودة بمنطقة عسير، حيث يخرج المزارعون وعلى محياهم ترتسم بشائر الرضى بعودة موسم حصاد القمح.. تطلق حناجرهم أهازيج الحصاد وتتمايل السنابل المثقلة بحباتها على أنغامها، فيما تحفهم الطيور التي لا تجد منهم إلا الفرح وحسب. تتحول المزارع إلى ورش عمل من خلال الحصادات الحديثة التي ساعدت على اختصار الوقت والجهد، على الرغم من بقاء الأهازيج الشعبية التي يرددها المزارعون مع تغريد العصافير وهديل الحمام في تناغم فريد للمكان والزمان. نائب السودة محمد بن معدي مشاوي أوضح في تصريح صحفي أمس أن مزارع المدرجات في السودة تشتهر بزراعة حب البر بأنواعه الثلاثة الصيب، الحنطة والقياض، وتسقيه السماء بغيثها، مشيرا إلى مدرجات القمح من فوق رابية تحيط بها شجرة عرعر معمرة. وبيّن ابن معدي أن السودة لا تعاني في هذا الوقت من العام من هجمات الطيور التي تسبق المزارع للثمر، فجميع المزارعين يزرعون في وقت واحد تقريبا ويأتي المحصول في وقت واحد لذلك تتوزع تلك الطيور على المزارع فلا تحدث أضرارا كبيرة، ويقول ابن معدي "الجميع يفرح عندما تأتي تلك الطيور خماصا وتعود بطانا فسبحان من قدر لها أرزاقها". وقال المزارع عبدالله بن محمد معدي: إن الزراعة التقليدية لم تعد موجودة اليوم بسبب وجود المعدات الحديثة، لافتا إلى عادات المزارعين في معرفة إنتاج المزرعة الواحدة التي تعتمد على المكاييل لمعرفة مقادير إخراج الزكاة ند الحصاد، مشيرا إلى أن بعض المزارع تنتج 40 كيسا وكل كيس يحتوي على 45 كيلوجراما من الحبوب. وفي سياق متصل، رأى مدير عام الإدارة العامة لشؤون الزراعة بمنطقة عسير المهندس فهد بن سعيد الفرطيش أن الزراعة في المنطقة أخذت تتغير وبوتيرة سريعة تزامن ذلك مع زيادة الإنتاج ونوعية التسويق، موضحا أن إجمالي المساحات الزراعية في المنطقة لعام 2009 بلغ 6267 هكتارا، وحصد ما يقارب ثمانية عشر ألف طن من القمح والشعير والذرة الرفيعة والشامية والدخن. ووصف المهندس الفرطيش التغيرات المتسارعة في القطاع الزراعي خلال السنوات الأخيرة بأنها مواكبة للأهداف الاستراتيجية للخطط التنموية الطموحة للقطاع الزراعي من خلال تنوع الإنتاج وتحسين الكفاءة الإنتاجية والتسويقية. وأشار الفرطيش إلى أن الإدارة تقدم خدماتها للمزارعين في أرجاء المنطقة، فيما تتنوع تلك الخدمات في إرشاد المزارعين إلى تنوع وزيادة الإنتاج وإقامة الحقول الإرشادية وتوجيه نشاطات المزارعين ومكافحة الآفات الحشرية والفطرية وإرشادهم إلى وسائل السلامة عند استخدام المبيدات الزراعية. وقال المزارع ناصر بن أحمد عسيري في قرية البدلات على طريق السودة: إنه يبذل جهده في تحسين إنتاج مزرعته، ويقول: أقوم بمتابعة سنابل القمح حتى تصفرّ وتيبس، ثم أبدأ بصرمها يدويا بآلة اسمها المحش؛ وهي آلة على شكل المنشار لكنها مقوسة، وتستمر العملية في حدود أسبوع، ويتم وضع الصريم في مكان يسمح بدخول الهواء، وكنا نستخدم قديما الجرين ثم نقوم بالدوس، ولكن الآن حلت محلها الحصادات مما قلل علينا المعاناة. وأشار إلى أن مخلفات الحصاد ويسمى "الحثى" يستفاد منه في غذاء الأغنام، وكان الأجداد يستخدمونه أيضا في بناء المنازل القديمة، مضيفا: أن قمح المدرجات يقبل الناس على شرائه لأنه طبيعي ولا تستخدم فيه المحسنات الزراعية.