انخفاض سعر الروبل أمام العملات الرئيسية    " البديوي" يؤكّد على تطلّع دول مجلس التعاون لبناء علاقات إستراتيجية وثيقة    عضو الجمعية العمومية ورئيس لجنة التطوير الاستراتيجي بجمعية الإسكان التنموي بمنطقة الرياض " بيتي "    محافظ هروب يرعى حفلَ الأهالي بمناسبة اليوم الوطني ال 94    أنباء متضاربة حول مصير حسن نصر الله    اتفاق على الإعفاء المتبادل من التأشيرة بين المملكة وطاجيكستان    الجبير يلتقي وزير الدولة البريطاني لأمن الطاقة والحياد الصفري    رصد المذنب "A3" فجر أمس في سماء مدينة عرعر بالحدود الشمالية    نخيل القصيم أمسية في المسرح الروماني    رابطة العالم الإسلامي ترحب بإعلان المملكة إطلاق "التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين"    الاتحاد يطيح بالخليج برباعية في دوري روشن للمحترفين    الزمالك سوبر أفريقيا    مدرب الأهلي: أنا المسؤول عن الخسارة أمام القادسية.. ومطالبي لم تتحقق    القادسية يتغلب على الأهلي بهدف في دوري روشن    رئيس وزراء فلسطين: إسرائيل مقتنعة أنها دولة فوق القانون    نقاء تدشن إنطلاقتها بالإحتفاء باليوم الوطني السعودي ٩٤    محافظ العيدابي يرعى احتفال الاهالي باليوم الوطني ال94    نخيل القصيم أمسية في المسرح الروماني    محافظ احد رفيدة يرعى احتفال المحافظة باليوم الوطني 94    مستشفى بيش العام بتجمع جازان الصحي يحتفي باليوم العالمي للصيدلي    فيصل بن فرحان يلتقي وزير خارجية كوريا    الاتحاد يعبر الخليج.. و الأهلي ينزف    السوبر الافريقي: ركلات الترجيح تحسم اللقب للزمالك على حساب الاهلي    إحباط تهريب (130) كجم «قات» في جازان و(10) كجم «حشيش» في عسير    أنباء متضاربة عن اغتيال نصرالله    الكتاب... «معين يفيض بالمعرفة»    شكر النعم    «الصحة» تؤكد.. أولوية "الخدمة" لمن لديهم مواعيد مسبقة في المراكز الصحية    الاندماج بين مجموعة مغربي للتجزئة وريفولي فيجِن يقود إلى تطور قطاع البصريات في الشرق الأوسط    وزير الاقتصاد والتخطيط يلتقي نائب الأمين العام للأمم المتحدة    "المتاحف" تطلق معرض فن الصين الأول في المملكة    «هيئة العقار» تُعلن بدء التسجيل العيني ل 43 ألف عقار في الرياض والدرعية    خطيب المسجد النبوي:صفتين محمودتين يحبهما الله هما الحلم والأناة    السعودية تعلن عن تحالف دولي لإقامة الدولة الفلسطينية    الذهب يسجل 5 أرقام تاريخية في أسبوع    ردع العابثين    فعاليات جمعية الثقافة والفنون بالدمام باليوم الوطني تستقطب 30 ألف زائر    لتجذب الآخرين.. احفظ هذه الخمس    5 أمور تجعل تنظيف الأسنان أساساً    صدمة..حمية الكيتو تهددك بالسكري!    قصر النظر وباء يتطلب استجابة عاجلة    أمير القصيم دعم رجال الأعمال يعكس وعيهم في بناء مجتمع معرفي    محافظ الزلفي يرعى احتفال إدارة التعليم باليوم الوطني 94    مكتب الضمان الاجتماعي في حائل يُقيم دورة "بناء نموذج العمل الحر لمستفيديه"    الأفكار التقدمية خطر أم استقرار؟!    عندي لكم خبرين !    أعتى تضاريس وأقسى مناخات!    فريق أمل وعمل التابع لجمعية رواد العمل التطوعي في جازان يحتفي باليوم الوطني ال٩٤    من البساطة إلى التكاليف!    أمير الرياض: إطلاق 'مؤسسة الرياض غير الربحية' تجسيد لحرص القيادة على دعم وتطوير العمل المؤسسي والاجتماعي    ولي العهد يُعلن إطلاق مؤسسة الرياض غير الربحية وتشكيل مجلس إدارتها    تعليم مكة يحتفي باليوم الوطني ب " السعودية أرض الحالمين " وأوبريت "أنا وطن"    وزير الخارجية في الجلسة المفتوحة لمجلس الأمن: السعودية ملتزمة بتعزيز العمل الجماعي لتحقيق الأمن والتنمية    الحب والروح    نائب أمير مكة يشهد حفل اليوم الوطني بالإمارة    اكتشاف نوع جديد من القرش «الشبح»    أكد دعم القيادة للعمل الخيري الإسلامي وسرعة الاستجابة.. الربيعة: المملكة تولي اهتماماً كبيراً باللاجئين في العالم لعيشوا بأمان وكرامة    «الإسلامية» توجه خطباء المساجد للتحذير من التساهل في «الطلاق»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ضحايا التقليد
نشر في الوطن يوم 03 - 06 - 2010

أشرت في مقالات سابقة إلى أن مشكلة الخطاب الديني المحلي تكمن في اعتماد التعليم الذي يؤهل المشتغلين به على الحفظ وعدم العناية بتربية الملكة النقدية. ويترتب على هذا أن يأخذ "المتخصصون في الدراسات الشرعية" ما حفظوه على أنه هو وحده الحق. لكنهم يكتشفون أحيانا آراء أخرى تخالف ما حفظوه فيبادرون إلى أخذ تلك الآراء بآلية الحفظ نفسها فيعاملونها على أنها هي الحق مهما كانت غرابتُها.
وكان الشيخ عبد المحسن العبيكان قد أشار إلى هذا المشكل حين وصف كثيرا من المتخصصين في الدراسات الشرعية بأنهم "حفظة فقه وليسوا فقهاء" (صحيفة الرياض، 25 /9 /1425ه). وهذا هو السبب الذي يجعل بعض "فقهائنا" يقعون دائما في مآزق الفتاوى التي تصدر عن التسليم المطلق للذاكرة وعدم تدريب الملكة النقدية على محاكمة ما قاله القدماء والوقوف منه موقف الناقد الواثق بدلا من موقف الاستلاب المعهود وتقديس آراء قيلت في عصور وظروف سابقة تختلف في مستوياتها المعرفية وذائقتها الإنسانية عن عصرنا وظروفنا.
ومن لوازم هذا الاعتماد على الحفظ أننا نجد دائما أنه حين يعثر أحد هؤلاء على بعض "الاكتشافات الفقهية" يجابَه بردود فعل عنيفة تبلغ حدا بعيدا من القسوة لا يجد معه الخارجون عن النسق مناصا عن التراجع عنها أو تأويلها بطرق تخفف من غرابتها وتوحي بتماشيها مع المعهود في ذلك الخطاب.
ويكفي الاستشهاد بالفتويين المشهورتين الآن اللتين صدرتا مؤخرا وردود الفعل العنيفة عليهما. وأولهما فتوى الشيخ عبدالمحسن العبيكان نفسه بجواز إرضاع النساء الرجال الأجانب البالغين لكي يكون ذلك مسوِّغا لتمكينهم من الدخول والخروج عليهن بسبب شمولهم بالحرمة الناشئة عن الرضاعة.
وقد حاول الشيخ العبيكان أمام عنف النقد الذي قوبلت به فتواه توضيح أن ما قاله ليس رأيا جديدا من عنده، بل هو رأي قال به الفقهاء الأقدمون وموجود في المصادر الفقهية القديمة المعتبرة. ثم لجأ أخيرا إلى التعديل من منطوق فتواه ليتفادى بعض أوجه النقد الحادة التي قوبلت بها.
والمثال الثاني فتوى الشيخ عادل الكلباني بجواز بعض أنواع الغناء الشعبي. وتأتي هذه الفتوى نقيضا صارخا لتحريم الغناء تحريما مطلقا في الخطاب الديني المحلي. وهو التحريم الذي خلخلتْه هذه الفتوى.
ومرة أخرى لجأ الشيخ الكلباني إلى "توضيح" فتواه ومحاولة تبيين أنها تستند إلى آراء فقهية صدرت عن فقهاء قدماء معتبرين.
ولم يقف الحراس الأوفياء للخطاب الديني المحلي أمام هاتين الفتويين وقوف المتفرج. فقد انقض بعضهم بشراسة ليهاجم الخارجين عن الصف بطريقة لا تتورع عن استخدام أقسى الأساليب في التبكيت والتنقص. ويمثل هذا الهجوم الحاد ما نقلتْه صحيفة "سبق" الإلكترونية (15 /6 /1431ه) من قول الشيخ محمد بن حسن الدريعي عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، بخصوص الفتويين اللتين أصدرهما كل من الشيخ عبد المحسن العبيكان المستشار بالديوان الملكي عن إرضاع الكبير، وفتوى الشيخ عادل الكلباني عن إجازته الغناء والعرضات والخبيتي والسامري.
فقد قال في رد على سؤال لأحد المتصلين ببرنامج "أهل الذكر" والذي يذاع على قناة أوطان بعد مغرب ذلك اليوم: "إن الفتاوى التي صدرت منهما لو كانت قيلت في عهد الشيخ محمد بن إبراهيم أو الشيخ عبد العزيز بن باز لأمرا بإدخالهما السجن وقطعت ألسنتهما". وتابع الدريعي: "بعد إصدار العبيكان والكلباني لهذه الفتوى الأفضل لهما التوجه إلى سوق الخضار للعمل هناك بدلاً من التكلم في الدين والتدليس على الناس في دينهم".
وتشهد هذه القسوة في التعبير بما يمكن أن تصل إليه ردود الفعل القوية لممثلي الخطاب الديني المحلي ضد كل من تسول له نفسه الخروج عن النسق السائد. ولا يمكن التقليل من وقع هذه القسوة على أولئك الخارجين عن النسق. ذلك أنها تمثل طردا لهم من المقامات الرفيعة المحفوظة للأوفياء للثقافة التقليدية.
كما يشهد التصريح بالحنين إلى السطوة التي كان يتمتع بها التيار من غير منازع، وبالوفاء للثقافة التقليدية التي تحتقر المهن اليديوية والنظر إلى من يشتغل بها نظرة دونية، وهو أحد الأسباب المهمة للبطالة في مجتمعنا.
وكانت هذه القسوة توجَّه في السنوات القليلة الماضية ضد الكتّاب والمثقفين السعوديين الذين خاضوا جدلا واسعا مع بعض ممثلي الخطاب الديني التقليدي عن قضايا متعددة تشغل المواطن السعودي المسلم.
وكانت الحجة الأهم التي يدفع بها ممثلو الخطاب الديني المحلي في مواجهة أولئك الكتّاب والمثقفين أنهم ليسوا متخصصين في الدراسات الشرعية.
وكانت هذه الحجة تلقى القبول بالرغم من أن ما كان يقوله الكتاب والمثقفون أكثر إحاطة بالقضايا المناقَشة نظرا لاطلاع كثير من هؤلاء على مناهج ومصادر للمعرفة لا تتوفر لكثير من ممثلي الخطاب الديني التقليدي.
وكان الأمر الأساس الذي يميز الكتاب والمثقفين أنهم كانوا يحاورون المصادر القديمة التي كان ممثلو الخطاب التقليدي يقفون منها موقفا تسليميا منطلقين من تأسيس علمي ومعرفي لا يقوم على الحفظ والتسليم بل على النقد العلمي وعرض الآراء القديمة بعضها في ضوء بعض للوصول إلى آراء تفوق في الإحاطة الآراء المحفوظة.
ومع ذلك كان الميزان يميل دائما في صالح الخطاب التقليدي.
ومن الواجب القول هنا إن هذه السطوة الهائلة للتقليد القائم على الحفظ وإلغاء الملكة النقدية ليس مقصورا على الخطاب الديني المحلي. فهذا أمر شائع في التعليم التقليدي في كليات الشريعة ومؤسسات التعليم الديني في العالم الإسلامي كله. ويمكن التأكد من رسوخ هذا التقليد من خلال الاستماع إلى برامج الفتاوى والوعظ الديني في الفضائيات التابعة للفرق الإسلامية المختلفة وقراءة ما يكتبه ممثلو هذه الفرق في كتبهم ومقالاتهم وأبحاثهم.
وختاما فإن الفتويين الأخيرتين اللتين عرضت لهما هنا وردود فعل ممثلي الخطاب الديني التقليدي عليهما إنما تشير بوضوح إلى المشكلات البنيوية التي يعاني منها ذلك الخطاب. ولا سبيل إلى الخروج من هذه الدوامة إلا بالتخلي عن الطرق التقليدية في الدراسات الشرعية والاستفادة من مناهج العلوم الاجتماعية والإنسانية الحديثة التي تربي الملكة النقدية وتؤسس هذه العلوم على أسس علمية راسخة لا تسمح بالركود الذي يولد كثيرا من المشكلات المعهودة في الخطاب الديني التقليدي المعاصر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.