يشبه الشاعر حمزة شحاتة(1911 1971) المتنبي الذي شغل الناس في حياته وبعد مماته، فما أن يذكر شحاتة حتى يدلي الجميع برأيهم فيه أو حوله، ما جعل حفل ذكراه المئوية مساء أول من أمس يتخذ طابع الاحتفالية لكثرة المتحدثين عنه والذين بلغوا عشرة وهي المرة الأولى التي تحدث في اثنينية عبدالمقصود خوجة. ابنته زلفى قالت مستغربة: ما أعرفه عنه هو أنه مجرد "أب" ومنكم أسمع ما لم أكن أعرفه عنه، فهل كان الشاعر الكبير يستنكف الحديث مع بناته عن مكانته وما كان يعانيه من آلام تحدث عنها رفيقه في سنواته الأخيرة محمد صالح باخطمة، محاولاً أن يحيط ثلاث تجارب مؤلفة في حياة الشاعر بغلالة من الأسئلة، فقد كان شحاتة معجبا بهتلر ويرى فيه خلاص العالم، وحين هزمت ألمانيا أصيب بإحباط شديد، ففكر بالهجرة إلى أميركا، وقام بكافة إجراءات الهجرة، ودخل امتحان قبول المهاجرين لكنه فشل في الحصول على تأشيرة، أما لماذا ؟ يقول باخطمة لأنه أصلع، لكن هل تكون صلعة الإنسان سببا لحرمانه من الهجرة، أليست هناك أسباب أكثر واقعية؟ في حمأة الألم الثالث تحضر بنات حمزة شحاتة الخمس حيث كان يلقب ب "أبو البنات" اللقب الذي تفتخر به ابنته زلفى، أما باخطمة فيقول كان عليه أن يقوم بدور الأم والأب معاً، ولذلك أحاط منزله بسياج من الحيطة فلا يستقبل إلا أخلص خلصائه، في حين أننا نقرأ في كتاب "رسائل إلى شيرين" - وهي رسائل وجهها إلى ابنته في المملكة من مكان إقامته بالقاهرة وجمعت بعد وفاته وطبعتها تهامة – أنه كان متحررا مؤمناً بقدرات المرأة وضرورة تحررها من الخوف. إن حياة حمزة شحاته تبدو كسؤال كبير لم يجب عليه بعد، وهذا ما حاوله عزيز ضياء في كتابه "حمزة شحاتة قمة عرفت ولم تكتشف". في المستوى الرابع من محطات آلامه، وما يمكن أن نطلق عليه جحيمه، يصفه باخطمة بأنه الحدث المفصلي في حياته، عاش ظلامه وتوابعه طوال حياته لكنها لم تكسر شممه وشموخه، وهذه المحطة هي اصطدام قمتين: محمد سرور الصبان بما يمثله من ثقل اقتصادي واجتماعي وسياسي، وحمزة شحاتة بما يمثله من ثقل فكري وإبداعي، ويتساءل باخطمة كيف رجحت كفة المال وصاحبها، واندرج تحت عباءته رجال نالوا الوظائف العالية ورغد العيش رغم أنهم ليسوا بقامة حمزة شحاتة، لذلك سألت "الوطن" الدكتور عبدالله مناع ما إذا كان حمزة شحاتة يزدري محمد سرور الصبان، ما جعل الثاني يرد عليه بالتقليل من مكانته بإعطائه وظائف صغيرة لا تليق بمكانته؟ وكان رد المناع، بأن الصبان كان يدرك مكانة شحاتة، ولكنه لم يضعه في المكانة التي تليق به، فرحل حسب تعبير باخطمة عن زمن تجاهله وأهل أنكروه. خلال الاحتفاء الذي أعلن فيه عبدالمقصود خوجة عن صدور الأعمال الكاملة لشحاتة في ثلاثة مجلدات تضم 40 قصيدة لم تنشر من قبل، تحدث المناع عن معارك شحاتة، أولها كانت مع محمد حسن عواد، حيث كان العواد أستاذا في مدرسة الفلاح وحمزة شحاتة طالباً فيها، وكلاهما شاعر ومفكر كبير، فكان لابد من صدام يستمر خمسة عشر عاما، أما لماذا؟ فلا يزال الأمر مجهولاً، وكانت المعركة الأخرى التي خاضها مع عبدالله عريف وهو قمة شعرية أخرى، وهي التي أسست لمعركته مع الصبان. الدكتور عاصم حمدان لم يتردد في القول "إننا لا نستطيع الفصل بين حياة الشاعر وشعره، وكان يعتقد أن خلاصه بالشعر وكان كبيراً في ثقافته وأدبه".