من الطبيعي أن تبحث ألمانيا في وقت الأزمات عن أسواق تصدر إليها بضائعها لتقوي اقتصادها الذي يعتبر الأكبر في منطقة اليورو المضطربة حالياً، إلا أن الوضع في دول الخليج تغير كثيراً عن السابق وبدأت هذه الدول وعلى رأسها المملكة تضع مصالحها أولاً وتطلب أكثر من مجرد تبادل السلع والبضائع. وهذا ما أوضحه رئيس مجلس الغرف السعودية ورئيس الغرفة التجارية الصناعية في جدة صالح كامل في وجهة نظره في كلمته الترحيبية لدى استقباله المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الأربعاء الماضي في جدة عندما استقبلها بقلقه حول الميزان التجاري بين المملكة وألمانيا الذي يميل بصورة كبيرة نحو ألمانيا. وقال كامل إنه يجب على ألمانيا أن تساعد المملكة على التفكير بحلول تقلل من حجم هذا الاختلال في الميزان التجاري الذي تستفيد منه ألمانيا إلا أن ميركل لم تشارك رجال الأعمال السعوديين همومهم تلك. وألمانيا هي الشريك التجاري الثالث للمملكة بينما المملكة هي الشريك التجاري الثامن والعشرين لها بحسب إحصاءات التجارة بين البلدين لعام 2008. وأظهرت إحصاءات الميزان التجاري السعودي-الألماني لعام 2008 والذي أعدتها الغرفة التجارية في جدة أن المملكة استوردت في ذلك العام واردات من ألمانيا بقيمة 32 مليار ريال بينما لم تتجاوز صادرات المملكة إليها سوى 5.6 مليارات ريال مما تسبب بعجز تجاري مع ألمانيا بقيمة 26.5 مليار ريال. وتواجه ألمانيا انتقادات حادة من الاقتصاديين في أوروبا وخارجها نظراً لأنها تحقق فوائض ضخمة من التصدير ولكنها لا تستخدم هذه الأموال الفائضة بصورة جيدة لا على مستوى البنوك الألمانية أو على مستوى الدعم الخارجي ولا على مستوى زيادة وارداتها من الدول الأخرى وهذا ما سبب عجزا لدى غالبية الدول التي تتعامل معها ألمانيا تجارياً. وهذا ما أظهرته إحصاءات المكتب الفيدرالي للإحصاءات في ألمانيا مطلع هذا الشهر حيث وصلت الصادرات الألمانية في شهر مارس الماضي إلى أعلى معدل لها منذ يوليو لعام 1992 بفضل تحسن الاقتصاد العالمي مسجلة نمواً شهرياً قدره 10.7%. وتعي ميركل جيداً ماذا يريده رجال الأعمال السعوديون في المرحلة القادمة لأن المملكة تريد أن تتحول من اقتصاد يعتمد على النفط إلى اقتصاد معرفي يعتمد على مصادر دخل متنوعة، ومن هنا أبرزت المستشارة الألمانية الدور الذي يمكن لألمانيا أن تلعبه في تنمية الاقتصاد السعودي من خلال عقد الشراكات والتعاون العلمي مع جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) التي ترى ميركل أنها ستكون ركيزة للاقتصاد السعودي. وفي زيارتها لقطر أوضحت ميركل أن ألمانيا يجب أن توجه الاستثمارات إلى مجالات التعليم والبحث العلمي والتنمية في منطقة الخليج حتى تظل قادرة على المنافسة حتى بعد 20 عاما. وأضافت "يجب أن نبذل المزيد من الجهد". ولكن ميركل تعلم أن اقتصاد ألمانيا لم يقم حتى اليوم على مبدأ نقل التقنية وعقد الشراكات بل قام على التصدير وهذا ما أوضحته بقولها أمام مجتمع التجار في جدة: "إننا لسنا مستوردين فقط، ولكننا نرغب بالخروج إلى الأسواق ونثبت أنفسنا هناك". ووضعت المستشارة الألمانية الكرة في ملعب السعوديين فيما يتعلق بتحسين أوضاع الميزان التجاري بعد أن أوضحت أن السلع السعودية غير مشجعة بصورة كافية للمستوردين الألمان إضافة إلى أن ألمانيا لا تحصل على غالبية نفطها من المملكة. وقالت ميركل: "إننا لسنا المستورد المحوري للنفط من المملكة لأننا نستورد نفطنا من روسيا ومن دول أخرى... إنني أود أن أقول لكم إننا سنشتري المزيد من المنتجات من السعودية والمواد الخام من السعودية ولكن لا أظن أن هذا سيحل المشكلة لأن الأمر يتعلق بتنمية جودة سعودية يبنى عليها التبادل التجاري فيما بيننا لأننا في أوروبا لسنا بصدد توسيع استيراد نفطنا". ولكنها أضافت: "ولكننا سنقوم بدعم الشركات السعودية التي تود عقد شراكات ومشاريع مشتركة مع الشركات الألمانية، وندعم ذلك بتقديم التقنية اللازمة لذلك، وهو ما يوفر الركيزة اللازمة من أجل جودة وتقدم الاقتصاد، وسيشجع ذلك العلاقات ويساعد في تنميتها، وسيحل مشكلة عدم التوازن". ويرى كبير الاقتصاديين في البنك السعودي الفرنسي الدكتور جون إسفاكياناكيس أنه إذا ما أرادت ألمانيا أن تعلب دوراً في تحسين وضعية الميزان التجاري مع المملكة والمساهمة في تنمية اقتصادها فإن عليها القيام بأحد الأمرين، الأول دعم اتفاقية التجارة الحرة بين الخليج والاتحاد الأوروبي والأمر الثاني هو نقل التقنية إلى المملكة من خلال زيادة الاستثمارات المباشرة. وقال إسفاكياناكيس "إن حجم الاستثمارات المباشرة الألمانية الحالي في المملكة ضئيل جدة مقارنة بحجم التبادل التجاري بينهما والذي يميل معظمه إلى صالح ألمانيا". وبحسب إحصاءات غرفة جدة للتجارة والصناعة فإنه يوجد 115 مشروعاً ألمانياً في المملكة باستثمارات تفوق أربعة مليارات دولار، معظمها في المشاريع البترولية والبتروكيميائية والصناعية. وتسعى ألمانيا إلى جذب المزيد من الاستثمارات السعودية إليها ولكن هذا الأمر سيساهم في المزيد من الاختلال التجاري. وقال إسفاكياناكيس: "نحن نعرف مدى متانة العلاقات الاقتصادية والسياسية بين البلدين ولكن الأموال السعودية من الأولى أن تبقى في بلدها الذي هو بحاجة شديدة إليها الآن".