إذا كان ميدان التحرير في قلب العاصمة المصرية القاهرة فرض نفسه على خريطة العالم السياسية على مدار الأيام الصعبة والطويلة الماضية كأحد أهم بؤر الأحداث، بعد أن تحول إلى قبلة للمتظاهرين والمحتجين على نظام الرئيس حسني مبارك، فقد كان هناك ميدان آخر، رفعت فيه اللافتات المضادة، وعلت فيه أصوات التأييد لمبارك، إنه ميدان مصطفى محمود الكائن في أشهر وأهم شوارع العاصمة. لم تكن تظاهرات ميدان مصطفى محمود في سرعة تلك الموجودة في التحرير وغيره من ميادين مدن الجمهورية المختلفة كما لم تكن تظاهرات هذا الميدان بالكثافة نفسها بل أقل بكثير فضلاً عن الإساءة التي وقعت بحقها حين انطلق منها بلطجية يوم الأربعاء الماضي قاصدين إيذاء معارضي الرئيس. فميدان مصطفى محمود ينتمي جغرافيا إلى محافظة الجيزة، في شارع جامعة الدول العربية بحي المهندسين أحد أهم الأحياء التي يقطنها الأثرياء في مصر إلى جانب حيي الزمالك وجاردن سيتي، قبل أن تعرف خريطة مصر الجغرافية مدنا وأحياء جديدة يزحف إليها الأثرياء، وهو أيضا الشارع الذي عرف عنه أيضا أنه بات مقصد غالبية السائحين العرب الذين يفضلون الإقامة فيه والتردد عليه طوال فترة تواجدهم في مصر، وهو ما دفع المستثمرين المصريين والعرب لإنشاء مقاه فخمة وشهيرة أصبحت مكانا لالتقاء المشاهير خاصة من نجوم الفن والرياضة المصريين والعرب. أطلق اسم "مصطفي محمود" على الميدان نسبة إلى العالم المصري الكبير الراحل مصطفى محمود والذي ساهم في تأسيس جامع كبير بات الأشهر في صلاتي عيدي الأضحى والفطر المباركين حيث يقصده الملايين من المصريين، وإلى جانب الجامع الكبير، أسس العالم مصطفى محمود جمعية طبية خيرية نمت وكبرت حتى تحولت إلى واحدة من أهم المستشفيات الخيرية التي يقصدها كل الفقراء من القاطنين في حيي بولاق الدكرور وأمبابة الشعبيين، والذين جعلوا من حدائق الشارع الكبير متنزههم المجاني. كانت المظاهرات التي تدور في فلك الميدان هادئة بحكم قلة المشاركين فيها قياسا بالملايين أو مئات الآلاف الغاضبين من النظام والذين كانوا يقصدون ميدان "التحرير" ، ورغم أن المؤيدين لمبارك نجحوا في إقامة مظاهرة حاشدة له صبيحة يوم خطابه الثاني والذي أعلن فيه عدم نيته في الترشح لولاية جديدة، وأنه يتمنى الموت على أرض مصر ، إلا أن المظاهرة فشلت في توصيل الرسالة رغم المشاركة الإيجابية فيها من قبل نجوم الكرة والرياضة المصرية والذين تقدمهم مدرب المنتخب المصري حسن شحاتة، وأشعل وقودها مدرب الزمالك حسام حسن، ودعمها عدد من نجوم النادي الأهلي بقيادة كابتن الفريق حسام غالي، فيما كانت مشاركة نجوم الفن باهتة وغير ملموسة بعد أن انقسموا فيما بينهم ما بين مؤيد ومعارض.. وإن شاب تلك المظاهرة السلمية والحضارية اندساس عناصر تابعة للحزب الوطني بداخلها وهو ما شوه وجهها أمام الرأي العام الداخلي والخارجي وأفقدها التعاطف على خلفية ما فعله المندسون بالهجوم على متظاهري التحرير. وإذا كانت الجموع التي شاركت في مظاهرات التأييد التي اختلط فيها أثرياء المهندسين وأعضاء ناديي الصيد والجزيرة وهما من الأندية التي يطلق عليها في مصر لقب أندية " أولاد الذوات" مع فقراء حيي بولاق الدكرور وأمبابة ، رفعوا شعارات تطالب ببقاء مبارك رئيسا مدى الحياة بعد أن شعروا بالخوف على البلاد من حالة الفوضى العارمة.