ثلاثة أيام فقط، كانت كفيلة بعقد تصالح بين الإعلاميين والأمنيين العرب وتقريب وجهات نظرهم خلال الحلقات النقاشية لأول ملتقى أمني علمي للشرطة العربية نفذته جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية مع الأمن الأردني في العاصمة الأردنية عمّان، بعد جولات نقاشية من المكاشفة والمصارحة بين الإعلاميين والأمنيين لتجاوز عوائق تعامل كل طرف مع الآخر؛ وأفصح الأمنيون عما يضايقهم ويريدونه من وسائل الإعلام وصرح الإعلاميون العرب بما يضايقهم ويريدونه من الأجهزة الأمنية الأمينة، مستعرضين سلبيات وإيجابيات واقع التعامل بينهم ووعي كل طرف بدور الآخر؛ مستهدفين الوصول إلى أسس واضحة يسدون بها الفجوة بين الطرفين. تصالح وتقارب عدد من الإعلاميين والأمنيين العرب وصفوا اللقاء في حديثهم إلى "الوطن" ب"نواة تصالح وتقريب" بين 80 شخصية أمنية وإعلامية، مما جاء متوافقا مع تأكيد رئيس الجامعة الدكتور عبدالعزيز بن صقر الغامدي، على سعي الجامعة إلى تحقيق الأمن بمفهومه الشامل وحفظ الأمن في الأوطان العربية؛ مشيرا إلى ما سيحدثه الملتقى من أثر كبير في تنسيق الجهود وتبادل الأفكار والتجارب والخبرات. من جهتها رأت خبيرة الإعلام بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مصر، الدكتورة مها عبدالمجيد صلاح أن بيئة الملتقى جاءت بمثابة "نواة التصالح بين الأمن والإعلام التي ستجد طريقها للنمو والتطور والاستقرار على أرض الواقع بمزيد من الأنشطة العلمية والتدريبية التي ستُفعل بناء على توصيات ومقترحات المشاركين في الملتقى، إلى جانب إبداء الاهتمام من قبل عدد من الوفود إلى نقل النماذج إلى أرض الواقع العملي في دولها". وتشير صلاح إلى ما لاحظته من إسهام الملتقى في فتح حوار بناء وثري يتسم بقدر كبير من المصارحة والشفافية لينظر كل من الإعلام والأمن إلى الطرف الآخر نظرة أكثر موضوعية وأكثر رغبة في التعاون معه، مشيدة بالفكر المستنير لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية لمبادرتها بالبحث في جذور مشكلة أزمة الثقة بين الإعلام والأمن في مختلف البلاد العربية، مشيرة إلى الفوائد المتحققة باستعراض التجارب وتبادل الخبرات العربية في مجال العلاقة بين الإعلام والأمن، وتعميم النماذج الناجحة، مع إفساح المجال أمام رجل الأمن العربي ليظهر المشكلات التي تواجهه بسبب الإعلام وإيضاح ما يحتاجه من الإعلاميين، كما أُتيح للإعلامي إبداء وجهة نظره. وهو ما وافقها عليه مدير العلاقات العامة والإعلام بجامعة نايف، الدكتور خالد الحرفش، معتقدا أن النجاح من الممكن أن يستمر عبر "وضع معايير وأسس للعلاقة بين الطرفين، إلى جانب التوصية بتنفيذ ورشة عمل تحدد ماذا يريد الإعلاميون من الأمنيين وماذا يريد الأمنيون من الإعلاميين". تفعيل التعاون لتعامل فاعل بين الإعلاميين والأمنيين، يقترح الزميل بصحيفة الرأي الأردنية جمال اشتيوي في حديثه إلى "الوطن"، إعادة النظر في أسباب فشل الاستراتيجيات الإعلامية الأمنية داخل الدول العربية وإجراء حوار اجتماعي حولها للتوصل بالتوافق إلى استراتيجية تطبق محليا في كل دولة بما يناسبها. كما نصح النقابات الصحفية في الدول العربية بتدريب صحفييها جيدا حتى يستطيعوا التعامل مع المعلومات الأمنية خاصة الخطيرة منها والتي قد تربك المجتمع بأكمله إلى جانب تأهيلهم حقوقيا بأخلاقيات المهنة وما ينبغي عليه نشره وعدم نشره، مؤكدا الحاجة إلى الصحافة المتخصصة أمنيا. ووفقا لاشتيوي فإن هذه المقترحات ستعالج ما يعانيه الصحفيون حاليا من عقبات كثيرة يضعها الجهاز الأمني أمامهم أثناء بحثهم عن الحقائق، مطالبا بمزيد من الشفافية. واستشهد اشتيوي على تلك العوائق بما يحدث عندما يجري الصحفي تحقيقا عن المخدرات وما يتطلبه ذلك من إجراءات الحصول على إذن للوصول إلى المصادر الرسمية للمعلومة، فيقف أمام عائق المرور بعشرات القنوات للحصول على الإذن حتى يصل إلى المصادر، أو يُواجه بعوائق تؤخر إنجازه لعمله عندما تكون هنالك ملفات مستعجلة لدى الصحفيين عند القبض على مهربين في قضايا المخدرات -مثلا- فيحتاج الصحفي معلومة سريعة، وهذه المعلومة لا تحتمل التأويل أو التأجيل من قبل الصحفي، فيقع الصحفي هنا في فخ الروتين الحكومي الأمني الذي لا يساعده على استحضار المعلومة من المسؤولين. ويضيف اشتيوي ما يعيق الإعلامي من عدم امتلاك الناطق الإعلامي لدى مديريات الأمن العام للمعلومات حتى يفاجئه الإعلامي بالسؤال عن وقوع عمليات قبض أو غيرها، فيرد عليه بإجابات روتينية أو يتهرب منه بقوله سأوافيك بالإجابة ثم يغلق هاتفه. وبذلك لا يمتلك الصحفي ما وصفه الزميل اشتيوي بالمعلومة الطازجة؛ بسبب روتين إدارات العلاقات العامة في الجهات الحكومية. ويلحظ اشتيوي أن معظم الأمنيين العاملين في إدارات العلاقات العامة والإعلام قادمون من قطاعات لا إعلامية؛ حيث يجهل رجل الأمن العامل في مجال الإعلام النظريات الإعلامية ونظريات التواصل والاتصالات وطرق الرد على الأسئلة الخبيثة؛ مما يجعله "ضدا لجهازه الأمني"، هنا يطالب اشتيوي أن تستعين هذه الإدارات بإعلاميين مدربين جيدا ليشغلوا تلك الإدارات ويتقنوا التعامل مع مختلف وسائل الإعلام، إلى جانب تدريب المسؤولين الكبار وإعطائهم برامج تدريبية في كيفية التعامل مع الإعلام. الثقة بالإعلام الرؤية السابقة، أيدتها الزميلة من صحيفة "الحياة" السعودية سحر البندر، قائلة "ما زالت الأجهزة الأمنية تحتاج إلى ثقة بوسائل الإعلام"، فالبندر ترى أن الفجوة ما زالت قائمة وكبيرة لاعتقاد الأجهزة الأمنية أن الإعلام يستهدف فقط نيل السبق الصحفي. موضحة أن عقد هذا اللقاء سيسهم في ردم الفجوة بين وسائل الإعلام والأجهزة الأمنية وتعزيز الأنشطة الإعلامية؛ خاصة الأمنية منها لإبراز الصورة الحقيقية والتصدي للحملات المغرضة ضد العروبة والإسلام، وكشف أهداف ومخططات الجماعات والتنظيمات الإرهابية وخطورتها على الأمن والاستقرار. وعي الإعلاميين تقول خبيرة الإعلام صلاح -من خلال رصدها للواقع الحالي لعلاقة الإعلاميين بالأمنيين- إن واقع علاقتهم يشهد كثيرا من التجاوزات سواء من جانب الممارسة الإعلامية أو الأمنية؛ وترى صلاح انعكاس ذلك إجمالا على عدم موضوعية الرسالة الإعلامية من جانب، وفي ترسيخ الصورة الذهنية السلبية لرجل الأمن من جانب آخر، وأبرز ملامح هذا الواقع الذي وصفته صلاح بالمؤسف: أزمة الثقة بين الجانب الأمني والجانب الإعلامي، عدم تفهم كل طرف منهما لطبيعة دور وعمل الطرف الآخر، التضييق الأمني والتعتيم الإعلامي من جانب رجال الأمن، يقابله التطفيف الإعلامي والتجزئة المعيبة والتهويل والمبالغة وعدم الدقة في الرسالة الإعلامية. ولا تعتقد صلاح أن الإعلاميين على وعي كامل وفهم سليم لدور رجل الأمن وللظروف والتحديات والمعوقات التي قد يواجهها في عمله بسبب التوجيه غير الواعي للرسالة الإعلامية مع كل ما لها من تأثيرات؛ فالإعلامي كما تقول "ينظر إلى رجل الأمن كحاجز يمنع عنه المعلومات"، وفي الوقت نفسه تعتقد صلاح أن رجل الأمن لا يدرك جيدا أن حق المعرفة من أهم حقوق الإنسان وأن الإعلام يقوم بدور أساسي في المجتمع لا يمكن تهميشه أو التجاوز عن أهميته من خلال نقل الإعلام للأحداث التي تحصل في الواقع إلى رجل الشارع. ونتيجة عدم الوعي السليم والكامل لدى كل من الطرفين بحقوق وواجبات وطبيعة الدور الذي يمارسه الطرف الآخر في المجتمع تحدث العلاقة التصادمية ويتحول الإعلام إلى أداة سلبية هادمة. إعلاميون مختلفون أما مدير إذاعة أمن fm عصام العمري فيلحظ وجود فئتين من الإعلاميين لديهم في الأردن: إعلاميين محليين متفهمين للدور الأمني ويعملون مع الأمن بالتوازي، ويسهمون في تهدئة الشارع العام وبث الوعي فيه. وبالمقابل يشير إلى وجود إعلاميين محليين غير متفهمين لرسالة مهنتهم، وصفهم العُمري بالدخلاء على الإعلام من الساعين إلى الشهرة؛ يقتنصون المعلومات السلبية من داخل الأمن العام ليضخموها ويكبروها، كما يسير معهم في نفس الاتجاه إعلاميون من الإعلام الخارجي المتمثل في القنوات الأجنبية. تشويه الصورة الرؤية النقدية لدور بعض الإعلاميين كانت حاضرة لدى مدير العلاقات العامة والإعلام بجامعة نايف الدكتور خالد الحرفش، الذي رصد بحسب قوله، عمل بعض الوسائل الإعلامية العربية أحيانا على تشويه صورة الأجهزة الأمنية ورسم صورة غير أمنية لسلوكيات وتصرفات رجال الأمن؛ لتحقيق أهداف خاصة أو لغرض الإساءة للأجهزة الأمنية. لافتا إلى أن الأصل في العلاقة بين وسائل الإعلام الرسمية والأجهزة الأمنية تكاملية مبنية على الثقة المتبادلة، يكون عمل الطرفين في سياق واحد ويحرص كل منهما على توفير الأمن والأمان والمعلومة الأمنية الصحيحة التي تسعى إلى تنمية الحس الأمني والتوعية البشرية لدى المواطن العربي. وصنف الحرفش وعي الإعلاميين بالدور الأمني إلى نوعين؛ الأول يعي ظروف الأمنيين وحرصهم على إيضاح الحقيقة في الوقت المناسب مع الحرص على عدم التسرع في كشف المعلومات قبل التثبت من صحتها ومصداقيتها. أما البعض الآخر من الإعلاميين فيرى أن تأخر الأجهزة الأمنية في توفير المعلومات والبيانات عن بعض الأحداث والأزمات عمل سلبي لا يرقى إلى المسؤولية الموكلة إلى الأجهزة الأمنية. هنا يوضح الحرفش أن مفهومهم هذا خاطئ، مؤكدا أن رجل الأمن مسؤول عن كل معلومة ينشرها ويرغب دائما في التثبت منها وعدم التسرع في نشرها إما لعدم التأكد من صحتها بعد أو حجبها لضرورة أمنية تتعلق بسير التحقيق وسريته بهدف الوصول إلى الحقيقة الواضحة، مع نية نشر المعلومة في حينها. واعدا في الوقت ذاته ب"مد جسور التعاون بين الأمنيين والإعلاميين". مقترحات للتقارب ولتقارب أكثر بين الإعلاميين والأمنيين، اقترح العُمري التّخصص المهني في الإعلام الأمني، مع إنشاء نادٍ للإعلاميين العرب عبر الشبكة العنكبوتية لتبادل المعلومات والأخبار والاستفادة من التجارب والخبرات. فيما اقترحت الخبيرة مها صلاح حلولا وآليات لتحقيق تعاون وتكامل بين الجهاز الأمنى وجهاز الإعلام في الدول العربية؛ من خلال: تكوين ورش عمل ودورات تدريبية تجمع الإعلاميين جنباً إلى جنب مع رجال الأمن، وبمشاركة المتخصصين من أساتذة علم النفس الاجتماعى، وعلم الاجتماع، بهدف المصارحة بين الطرفين حول المعوقات والمشكلات التي تواجه كل منهما بسبب عدم تعاون الطرف الآخر، وتسعى إلى اقتراح آليات محددة للتعامل بين الطرفين خاصة في أوقات الأزمات، مع العمل على إكساب الناطقين الرسميين لوزارات الداخلية والجهات الأمنية "مهارات التعامل مع وسائل الإعلام" وذلك عن طريق الدورات التدريبية المتخصصة على يد أساتذة الإعلام، والعمل على رفع مستوى وعي الصحفيين بالدور الأمني في المجتمع، وبمفاهيم الإعلام الأمني، وتزويد المقررات الدراسية لطلاب الإعلام في البلاد العربية بمضامين دراسية حول الإعلام الأمني. كما رأت صلاح أهمية تقنين وتحديد الأسس العملية للممارسة الإعلامية التي يتم فيها انتقاد الأداء الأمني أو الأجهزة الأمنية عموماً. وبالمثل تؤكد صلاح وجوب تقنين وتحديد الأسس التي تتبناها الأجهزة الأمنية في إتاحة أو حجب معلومات وقضايا معينة عن الإعلام (إذا فهم الإعلاميون أن حجب معلومات معينة يخضع بالفعل لاعتبارات الأمن القومي والصالح العام، إذا عرف الإعلاميون ما الذي يصيغ اعتبارات الأمن القومي والصالح العام، فسيكونون أول من يتعاون مع الأمن لتحقيق ذلك الهدف)،إلى جانب توظيف الحملات الإعلامية المنظمة والموجهة نحو بناء صورة إيجابية لرجل الشرطة عبر وسائل الإعلام وبناء صورة إيجابية. التجربة الكويتية عد مدير إدارة الإعلام الأمني، المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية الكويتية العميد محمد هاشم الصبر الملتقى الأول للشرطة العربية نواة للتصالح والتعريف بين الإعلاميين العرب والأمنيين في دولهم؛ واصفا كرجل أمن الإعلاميين بالجناح الآخر الذي يحلقون بواسطته. كما وصف تعامل الإعلاميين في دولته الكويت معه كممثل لكافة الأمنيين بالممتاز، حيث يمنع النظام أي رجل أمن من الإدلاء بأي معلومات أو تصريح إلا بعد الرجوع إلى وزارة الداخلية لتنظيم العملية الإعلامية. ومن نظرته الشخصية وتعامله مع الإعلاميين في الكويت، يقيم الصبر أسلوب تعامل الإعلاميين مع الأمنيين هناك بالممتاز -حسبما يرى- معلقا "الإعلاميون بحاجة لنا ونحن بحاجة لهم". وردا على استفسار بشأن منح الإعلاميين كافة المعلومات التي يطلبونها مباشرة، قال "لا طبعا، هنالك معلومات تتطلب أن أستمدها من القيادة العليا في وزارة الداخلية، فهنالك بعض الأخبار أمامها خط لا يمكن تجاوزه بسبب سرية التحقيق ولسلامة الإجراءات الأمنية ولصالح المجتمع". ووصف علاقته مع الإعلاميين بالجيدة، مدللا على ذلك بنشر المعلومات والأخبار أولا بأول، وجهازه الجوال مفتوح على مدار 24 ساعة. وأكد الصبر "وجوب تعامل الناطق الرسمي دائما بمرونة وأن يتواصل مع الإعلاميين باستمرار، لأن هذه مهنته"، مرجعا نجاح التعامل كقطاع أمني وبين الإعلاميين في دولته الكويت إلى الشفافية. ووصف حرص الأمن لديهم على إيصال المعلومة الصحيحة الدالة بحبهم لوطنهم، لكن في حال لم تتوفر لديهم المعلومة فلن يتمكن من توفيرها للإعلاميين. لكنه انتقد نسبة معلومات الإعلاميين إلى ما أسماه "مصدر أمني مسؤول أو مصدر أمني وثيق الصلة أو مصدر أمني شديد الاطلاع، واصفا هذه النسبة إلى المجهول"، وقال "أرجو أن ينسب أي صحفي خبره للمصدر الرسمي". فهذه النسبة – وفقا للصبر- مزعجة وتحدث بلبلة وقلقا نتيجة عدم صحتها.