أثارت محاضرة نادي جدة الأدبي الثقافي التي أقيمت أول من أمس تحت عنوان "الصحافة الثقافية والمؤسسات الثقافية.. الاتفاق والاختلاف" وشارك فيها فهد الشريف من صحيفة "المدينة"، وخالد المحاميد من "الوطن"، وجهات نظر متباينة حول العلاقة بين هاتين الجهتين. وقال الكاتب عبدالله فراج الشريف في معرض تعليقه على المحاضرين: لا توجد لدينا صحافة ثقافية، وإنما لدينا ملاحق تدعي أنها ثقافية، قلة من محرريها على قدر من الثقافة، وانتقد الشريف مقولة أن الصحافة ربحية وأن الثقافة غير مربحة، قائلا: إذا كان هذا هو تفكير الصحافة فهي ستفشل، ولذلك فإن الصحافة الثقافية غائبة كلياً. بدوره، طالب رئيس النادي الدكتور عبدالمحسن القحطاني بتعميم الثقافة وتحويلها إلى ثقافة "شعبوية" بدلاً من أن تبقى نخبوية منتقداً الصحافة الثقافية بأنها لا تنقل حقيقة ما يحدث، وتقوم بتضخيم أحداث جانبية على حساب الموضوع، داعياً المثقفين إلى اعتبار منبر نادي جدة مفتوحاً للنقد سلباً وإيجاباً. وأشار الدكتور عاصم حمدان إلى ما وصفه ب"سياسة الإقصاء في الصحافة الثقافية"، مذكراً بأن الذين كانوا ينادون بحرية الرأي ويدعون إلى الشفافية ما إن تسلموا مهام العمل الصحفي حتى مارسوا نفس سياسة الإقصاء. وكان فهد الشريف قد قدم ورقة تحدث فيها عن طبيعة العمل في الصحافة الثقافية استعرض فيها انتقال الصحافة من صبغتها الأدبية إلى صبغتها الإعلامية, وأشار إلى أن المؤسسات الصحفية تحولت إلى مؤسسات ربحية وأننا يجب أن نأخذ ذلك بعين الاعتبار، فالصحيفة يهمها أن تسوق نفسها، وأن تكون مادتها مقروءة لأكبر شريحة ممكنة من الناس، وهذا قد لا يتفق مع فكرة نقل الفعاليات الثقافية بالصورة التي تريدها المؤسسات، فيقال أحيانا إن الصحافة تترك متن الموضوعات وتهتم بالهامش، وهنا يجب أن نوضح أن ما يهم المحرر هو الحدث، الذي قد لا يكون في صالة المحاضرات وإنما خارجها، أو لا يكون في نص المحاضرة وإنما في مداخلة، وهذا هو سبب اعتقاد البعض أن الصحفي لم يهتم بنشاطها وإنما ركز على مسائل جانبية، وأشار الشريف إلى أن الصفحات الثقافية غير ممولة ولذلك يقع عبء الإعلان عليها. وتناول المحاميد العلاقة بين المؤسسات الثقافية والصحافة الثقافية من الناحية النظرية، وكشف عن أربعة مشتركات رئيسة بين الطرفين معتبراً أنه على الرغم من الفروق بين مستويات خطاب كل منهما، إلا أنه في طبيعته الوظيفية يؤدي نفس المهام من حيث إن كلاً منها يعمل على نشر المعلومة والمعرفة وتعميق الوعي الاجتماعي. وخلص المحاميد إلى أن الفارق النوعي بين أداء المؤسسة والصحافة، يجعل للصحافة سلطة غالباً ما تكون فردية محكومة بميول المحرر وثقافته وأيديولوجيته، في حين أن المؤسسة محكومة بالمرجعية السياسية للدولة. وفي المداخلات أشارت أكابر الأحمدي إلى غياب اهتمام الصحافة بفعاليات المقاهي الثقافية التي تعكس غالباً طبيعة الحراك الثقافي في المجتمع. وتساءلت لمياء باعشن إذا كانت الثقافة غير مربحة فلماذا لا تغطي تكاليفها الصفحات الأخرى مثل الرياضة، مشيرة إلى التهديد الذي تعاني منه صفحات الثقافة وانكماشها أمام الصفحات الأخرى، في حين طالب الدكتور إبراهيم نتو بتوسيع دائرة الاهتمام ليمتد إلى الموسيقى والفلكلور والنحت والرسم والسينما. وبينما اعتبر الروائي المغربي محمد الشهدي أن الصحافة هي مصفاة للمنتج الثقافي فضلت الدكتورة فاطمة إلياس أن تخصص صفحات للأدب وفك الارتباط بين الثقافة والأدب، وقالت: نحن نريد صحافة أدبية تنتج المعرفة والنظريات. ولاحظ المهندس سعيد الغامدي أن الصحافة تنتقد الجميع ولكنها لا تنقد نفسها، وفي حين اعتبر يحيى العمري أن سلطة الصحافة منقوصة رأى الدكتور عبدالمحسن القحطاني أن باب الثقافة أوسع من أن يؤطر بمنتج كتابي، مطالباً بإزاحة النخبوية وإحلال الثقافة الشعبوية.