دائما ما نبرر اختطافنا من واقعنا وذاتنا، وفرارا من الواقع بقساوة الحياة واتهامنا زماننا بعاثر الحظ، بينما نحن عاثرو الحظ فعلا، فكلما ذهبنا هنا وهناك نجد ونسمع تنهد شكوى أو نرى تجهم كدر، عندها لن نلام لو قلنا هذه الحياة أضيق عيشا، وأفسد خُلقاً، وأقل سعادة من حياة الماضي. ولكن يبدو أننا نحن يقينا لزماننا وحياتنا ظالمين. ففي ظل الأحداث اليومية المتسارعة والتشاؤمية لدى كثير من الأشخاص، وتكالب الأشغال والسعي الحثيث لطلب الرزق، تكاد تسرقنا تلك من ذواتنا وتسلبنا الأشياء الجميلة التي بداخلنا، فنشعر كأننا مختطفون، مكبلون في قيود الواقع الذي رسمناه بحوائجنا المادية. بينما نحن من أوصلنا لهذه النظرة القاصرة للحياة وتجاهلنا نظرة العقل الباطن بعواطفه وأحاسيسه وفطرته السليمة وابتسامته للحياة التفاؤلية. فنجد البعض قد تبدل به الحال من ابتسامة مرسومة على الشفاه تتفاعل معها تقاسيم وجهه إلى وجه عبوس تقلصت بسببها عضلات وجهه، فلا ينظر إلى الحياة إلا من منظورها المادي. وحيث نجد البعض الآخر قد سُلبت منه أشياء كان يجد نفسه فيها، كالكتابة أو الرسم أو الشعر والفكاهة مثلا. فأصبح متقوقعا داخل قوقعته الضيقة التي هو من شكلها واستسلم لها لقصور نظرته للحياة. وهناك أيضا من تغير بسبب قساوة الحياة وظروفها ونسي نفسه كإنسان، سواء رجل أو امرأة، وأصبح البعض يتقمص دور الآخر كذكر أو أنثى. لكن الأدهى والأمر من هذا كله أولئك الذين كانوا يعيشون الحياة بفنها وحبها كالعاشقين وأهل الغرام، وفجأة أصبحوا ملتزمين بحياة أخرى مليئة بالروتين الممل، مستسلمين لجفاف العاطفة ويقولون: «الحياة كذا» كلها روتين وحنا عايشين.! عفوا الحياة ليست روتينا مملّا، الحياة متعة، وحتى نستطيع أن نكون على سجيتنا لا بد أن نعيشها كما هي، لا سيما أنها لم تتغير، بل نحن من تغيرنا.! ولعلي أستفهم في بقية هذه الأسطر لاختلاف الثقافة والرؤى لدى الكثير. فلماذا لا نخلع قميص اليأس ونرتدي لباس الجد والاجتهاد؟ كي تزهو الحياة ونعمرها. ولماذا تتقمصي سيدتي دور الرجولة بينما خلقتي أنثى؟ كي تستمتعي بحياتك كأنثى. ولماذا لا نثير مشاعر الحب طالما هو غريزة جبلنا عليها؟ كي نحيا بسلام. وأخيرا وليس آخرا لماذا لا نقول لا وألف لا لمن يحاول اختطافنا من ذاتنا؟