لا أريد أن ألقي باللائمة على وطني الذي أحبه، بقدر ما ألقي باللائمة على من لا يحس بمعاناة شاب يريد أن يشق طريقه في الحياة بكل أمان واستقرار. أقصد ذلك الشاب الذي لم تؤهله قدراته أو معدله، أو ظروفه المادية أن يلتحق بالجامعة، فهو يقبع في قرية على كثبان الرمل بمنطقة جازان تلفحها حرارة الصيف ، ولم يقاوم حر بلدته إلا بمكيف مهترئ وصلته الكهرباء قبل أربع سنوات فقط وقد بلغ من الكبر عتيا. ها هو يحلم أن يجد وظيفة وفعلا وجدها ، هل تعرفون ما هي؟ إنها وظيفة حارس أمن بإحدى المنشآت التجارية براتب لا يتجاوز ألفي ريال ! يا لله كم هي أحلامه الأخرى بعيدة المدى مع ضآلة الراتب، الزوجة ، السيارة، المنزل، نفقاته اليومية ترهق كاهله، وها هو يغدو يوميا لعمله بكل جد وانتظام وأمانة! هل تعرفون كم سيكلف إصلاح حياته المعيشية وتحقيق شيء من آماله ؟ إنها مئتا ألف ريال، سيبني منزلا متواضعا متكاملا بأغراضه الأساسية بمئة ألف ريال. وهو عبارة عن ثلاث غرف، وصالة، ومطبخ، وحمامين - أعزكم الله - ويتبقى من تحقيق حلمه مئة ألف ريال أخرى، سيتزوج بستين ألف ريال. هذا على أقل تقدير خاصة مع الكماليات، والعادات التي ترهق شباب جازان في الزواج والتي ما أنزل بها من سلطان! وأربعون سيشتري بثلاثين سيارة مستعملة ذات حوض، وغمارتين ليتسنى له فيها الذهاب لعمله وقضاء احتياجاته، واحتياجات أسرته، وتتبقى عشرة آلاف قد يقضي ببعض منها رحلة أيام زواجه الأولى في ربوع أبها هذا إذا ما انتهت به مع غلاء أجور الشقق المفروشة. وهو يريد عمرة لمكة، تنتهي أحلامه، وهو ذاهب إليها فقد توقفت به السيارة قبل أن يصل القنفذة حيث اكتشف أن ماكينتها أصابها الخلل! استيقظ من حلمه، وهو جالس على كرسيه ببوابة المركز التجاري، وهو يردد متى أحصل على المئتي ألف ريال؟ آه يا له من حلم جميل!