خلود النازل تعلّمنا في التدريب أنّ إقناع جمهورك بك قد يبدأ بعرض إنجازاتك، أو مسيرتك في أرقام، وجميعنا نقتنع بالمدرّب أو الأستاذ حين نعرف إنجازاته. البعض يهوّن من شأن السيرة الذاتية، ويراها من العُجب والتفاخر، ولست أرى ذلك، فالمتكبّرون والمتعالون غالبًا ليسوا من أصحاب الإنجازات والهمم، ولا أظنّ أنّ أهل الطموح متيّمون بسيرتهم الذاتية، فهم ينظرون إليها بعين الاستصغار دائمًا، ويبحثون عن أمجاد جديدة كلّ عام. السيرة الذاتية: هي مؤهلاتك، وخبراتك، ومشاركاتك، وتجاربك، وهي التي تؤهلك للانضمام لمؤسسة جديدة، وتشفع لك للقيام بعمل ما دون الكثيرين، وهي التي تجعل أحدهم يلجأ إليك حين يحتاج أمرًا ما. كثيرًا ما نحتاج لمدقق لغوي، أو أستاذ نحوي، أو خبير تدريبي، وحين نقرأ السيرة الذاتية نعلم أننا سنوفق لو اتجهنا لفلان دون غيره.. نعم للسيرة الذاتية، نعم لأن نجعل منها حافزًا لنا للتطوير والتقدّم والإبداع، لا للتباهي والعُجب.. منذ أن كنّا صغارًا، ونحن نتلهف لقراءة سير الأدباء والمبدعين، ولعلّ أكثر سيرة ذاتية قرأتها في صغري (الأيام) لطه حسين؛ فتركت في نفسي عظيم الأثر، وما زلت أذكر تلك الحياة البائسة التي عاشها هذا الأديب الكبير في طفولته، وكيف كان الفقر والألم حافزًا له لأن يصنع ذاته، وما زلت أظنّ أنّ الإبداع يولد من رحم المعاناة، وحينما أقرأ سيرة الشيخ علي الطنطاوي -رحمه الله- أستشعر القيم العظيمة التي تحملها هذه السير.. إنّ السيرة الذاتية بشقيها: العمل الأدبي، أو التعريف الشخصي، لون من المقروء المحبّب للنفوس، فيا أيّها العظماء لا تحرموا الجيل القادم من سيركم الرائدة، فقد تصنع الكثيرين، وقد تكون مشاعل الطريق لأبنائنا، فهي لنفوسهم أقرب إذ تحكي عظماء عصرهم.