تجرفنا الذكريات والحنين فنعود إلى الوراء وصورة الحارة القديمة والأزقة الضيقة التي تتراص فيها البيوت بنمط بناء واحد من الطين أو الحجر، كنا نلهو ونمرح فيها ونحن أطفال في براءة وعفوية، يسرقنا الوقت أحياناً إلى وقت المساء ويهجم الظلام علينا فنعود إلى بيوتنا متعبين، فنهجع إلى السكون الذي يتمزق أحياناً مع بكاء طفل من أحد البيوت يصل إلى أطراف الحارة. في الصباح يهب الجميع إلى ذلك البيت الذي صدر منه البكاء في تلهف لمعرفة السبب وتقديم العون على حسب الاستطاعة، فإذا كان الطفل مريضا فإن الجيران، وخاصة من الأمهات يسارعن إلى توفير الطعام لأهل الطفل أو تقاسم وجبة الطعام التي عادة ما تكون مكوناتها متواضعة لضعف الحال، ويبقى هذا مثال بسيط، وهناك أمثلة كثيرة. هذه الذكرى تكون راسخة لدى البعض يشتاق إليها بشغف، وكثيرا ما يرددها في مناسبات أو لقاءات رحلت مع الزمن، يطلق عليها البعض حاليا (الزمن الجميل). نقول نعم بهذه الصورة هو تجسيد للترابط الاجتماعي القوي الذي هو من صلب ديننا العظيم، ولكن نتحول إلى الذكريات التي تبعث على الأسى والألم والمعاناة التي اختفت مع عصرنا الذي نعيش فيه بفعل التطور العلمي الهائل. لقد كنا نخسر الإنسان بفعل مرض بسيط ناتج عن عدم وجود العلاج المطلوب أو التشخيص الصحيح الذي يتم بطريقة بدائية وليس عبر أجهزة متطورة وكادر طبي ذي تعليم متقدم كما هو حال اليوم، أو بعد المكان الذي يعيش فيه المريض عن المستشفى والذي يحتاج أحيانا إلى السير مسافات طويلة عبر طرق ضيقة وخطرة بسيارات غير مريحة في التجهيز. عندما نعود إلى البيوت وخاصة المبنية من الطين كم هي المعاناة في وقت الأمطار الشديدة، فقد تتعرض للسقوط وهدم أجزاء منها، كما أنها تفتقر إلى وسائل الراحة، هل هذه الأمثلة تدل على زمن جميل؟. حاضرنا اليوم يشهد تسارعا محموما نحو التقدم والتطور في كافة المجالات تكاد تكون في مجملها تصب في صالح المجتمعات البشرية على اختلاف ثقافتها وتكوينها، ومجتمعنا جزء من هذه المجتمعات، له دين هو الإسلام الذي يحمل كل المعاني السامية التي من ضمنها الأخوة، والتي قال فيها رسول الله (ﷺ) مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، التي نقول إنها حاضره بقوة في الزمن الجميل، ولكن مع الأسف في زمننا هذا انحسرت على نحو كبير بفعل تأثير المال يضاف إليه إطلالة العنصرية المقيتة.