قد يكون للمؤرخين والمتخصصين في الكتابة التاريخية، وقفةٌ طويلة أمام سيرة أشخاص سطّروا بأيديهم تاريخا، وصنعوا مجدا يخلد وجوده للأبد. ففي حياة الملك عبدالعزيز -رحمه الله- نجد حياة المملكة العربية السعودية، لأن تاريخها هو تاريخه، ونشأتها الحديثة المعاصرة هي نشأته، ويندر أن نرى مملكة في العصر الحديث ارتبطت في قيامها وتوحيدها وبداية نهضتها بملك أو زعيم، مثلما ارتبطت السعودية بالملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود. فلم تكن مدة حكمه مجرد زمن يقاس به الحكم والملك فحسب، ولكنه كان زمنا لقيام الملك والمملكة، ولتوحيد دولة فرقتها الحروب والنزاعات القبلية على مر عشرات السنين، وللتصدي لقوى داخلية وخارجية في سعيها إلى الوقوف ضده، وكذلك لبدء نهضة عامة للمملكة، نقلتها من البداوة إلى الحضارة، ومن التخلف المادي والفكري إلى التقدم العلمي والحضاري. إن الحديث عن الملك عبدالعزيز -رحمه الله- وجوانب حياته كلها، يستدعي الحديث عن شبه الجزيرة العربية التي انبثق منها نور الإسلام، فقد قامت المملكة في شبه الجزيرة في ظل الدين، وتحت راية التوحيد، وعلى هدي القرآن، كانت تلك هي البداية، وهي البداية الوحيدة التي تصلح منهاجا لدولة إسلامية، ولكل الأمة الإسلامية إلى آخر الدهر. هذه البداية هي الأساس المتين للدولة السعودية، فحياة الملك عبدالعزيز تمثل ملحمة من الكفاح والنضال، خاضها وقادها -كما كان نضاله كله منذ بدأ في شبابه الباكر- تحت راية التوحيد، باعتباره فريضة شرعية، والوحدة باعتبارها هدفا سياسيا لشبه الجزيرة العربية. وفي ذكرى توحيد المملكة، التي احتفلنا بها منذ أيام قليلة مضت، يحق لنا أن نرفع هاماتنا إلى الأعلى افتخارا، فقد عاش الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- محافظا على وحدة المملكة، وراعيا لأمنها وسلامة أراضيها ومواطنيها، ومن بعده أبناؤه الأبرار الذين حملوا الراية من بعده، مكملين إرساء دعائم الأمن والأمان، واعتبارها ركيزتهم الأساسية، والتصدي بكل حزم وعزم وقوة للعابثين بأمن واستقرار الوطن. فنحن -كمواطنين- نتابع بامتنان تحركات مليكنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز- حفظه الله- وولي عهده الأمين، وندرك جهودهم المضنية في المحافظة على مكتسبات الأمة، ودرء المخاطر والشرور عنها، ونلمس عن قرب تحركات القائد الشاب الطموح الأمير محمد بن سلمان، الذي نجح بامتياز في توجيه وتركيز أنظار العالم إلى وطننا، خلال رؤيته 2030، ومضامينها المستقبلية المضيئة.