التوقيف في السجن ليس هدفا بحد ذاته، بل هو وسيلة للحد من الجريمة، وردع مرتكبها، وإيصال رسالة إلى المجتمع، بأن النظام يجب أن يعم، والقانون يجب أن يسود، وأن أي خرق له من شأنه التأثير سلبا على حركة سير المجتمع، من هنا كانت عقوبة السجن لتحقيق هذه الأهداف. ولكون الوسيلة ليست مقدسة، أو ركنا لا يتبدل، أتت وجهة نظر عدد من المختصين الاجتماعيين، وخبراء إصلاح السجناء، دافعة باتجاه إيجاد بدائل للعقوبات التعزيرية، التي يتم الحكم بها على السجناء، بشكل يوفر بدائل أخرى لعقوبة السجن أو الجلد في بعض القضايا، التي يعود التقدير فيها للقاضي، معتقدين أن تطبيق هذا النوع من العقوبات "أصبح ضرورة ملحة في بعض الحالات والمخالفات، وبخاصة أنها لا تتطلب إمكانات مادية أو بشرية، وتساعد على توفير النفقات، وتساهم في إصلاح المدان، ليكون منتجًا في مجتمعه"، معتقدين أن البعض من الناس لو دخلوا السجون ربما يتأثرون بأصحاب الجرائم الكبيرة، من أرباب السوابق. مطالب قديمة مدير عام سجون المملكة، اللواء علي الحارثي، وفي تصريح إلى "الوطن"، أوضح أن توفر البدائل للعقوبات في السجون السعودية، أمر "تمت المناداة به منذ أكثر من سبع سنوات، حيث أقامت إدارات السجون ندوات كبرى، ومن أهمها ندوة قدمها رئيس مجلس القضاء الأعلى الشيخ صالح بن حميد، وشملت توجيهات للقضاة في السعودية بوضع عقوبات بديلة"، مبديا تأييده لهذا التوجه، بقوله "نحن نؤيد وندعو القضاء والجهات القابضة بتفعيل العقوبات البديلة، لما لها من أثر إيجابي على السجين وعلى المجتمع"، مؤكدا أن "هذه العقوبات تحمي السجين من وصمة العار، وتكفل حق السجين في الاندماج في المجتمع والإصلاح الذي يمكن أن يتحقق، إضافة إلى العديد من النواحي الإيجابية التي تنعكس على حياته، ورغبته في خدمة المجتمع والتكفير عن ذنبه بالأعمال التطوعية". معتبرا أن هذه العقوبات تتوقف على حسب "ظروف الجريمة، وظرف مرتكبها، وظروف الجاني والمجني عليه". مشيرا إلى أنه لمس الآثار الإيجابية على الأفراد، الذين طبق بحقهم الأحكام البديلة. البدائل ليست ترفا الخبير الاجتماعي الدكتور مضواح المضواح، رأى أن العقوبات القاسية لم تفلح في زجر الجناة وردع غيرهم، بل قد دخل هؤلاء في حالة عناد مع القضاة، لقناعتهم بأن الحكم بتلك العقوبات يأتي نتيجة للحالة المزاجية. ويرى المضواح أن "من أخطر حالات معالجة العرض لا المرض، صياغة النظم العدلية وتطويرها دون أن يكون هنالك تأهيل للعاملين في أجهزة العدالة الجنائية، على المستوى نفسه من التطور، وهذا يشبه ترميم منزل وفق أحدث طراز، بينما يسكنه أشخاص يعانون من جهل واضطرابات نفسية، تجعلهم يعبثون بهذا المنزل، وقد كان من المفترض ترميمهم أيضا أوعلاجهم إذا لم يكونوا قد أهلوا التأهيل الصحيح من قبل". مشددا على أن "البدائل ليست ترفا عقابيا، بل إجراء وقائي رئيس. الفهم الخاطئ المضواح، يرى أن "المشكلة ليست في عدم توفر أنماط كافية من بدائل العقوبة التعزيرية، بل المشكلة هي عدم الفهم الصحيح للبدائل، وأهميتها نظريا وتطبيقيا". فمن حيث أهميتها النظرية "يحسن بنا أن يمتد فهمنا لهذه الأهمية، ليشمل فهم ما تتمتع به الشريعة الإسلامية من مرونة، تجعلها قادرة على استيعاب المستجدات والتغيرات، التي طرأت على تفسير الجريمة وأهداف العقوبة. ومن حيث أهميتها التطبيقية، لا يمكن إغفال دورها الحاسم في الوقاية من التشهير والوصم، ودورها في تجسيد قيم الاهتمام بإنسانية المذنبين وحقوقهم، التي لا تسقط بمجرد اقترافهم للجرائم، وأن نكون عونا لهم على أنفسهم وليس عونا للشيطان عليهم". فعالية وتنوع الحديث عن محدودية العقوبات البديلة، أمر يرفضه المختصون الاجتماعيون، معتقدين أن هنالك أنماطا كافية من بدائل العقوبة التعزيرية، وفعالة في الوقت نفسه، ويمكن لكل مجتمع أن يبتكر من البدائل ما يتفق مع ثقافته ومعتقداته وقيمه. معترفين في ذات الوقت بمحدودية تطبيقها في العالم العربي، وفي هذا الصدد يقول المضواح "تم تطبيق العقوبات البديلة بصورة غير صحيحة، بما يؤدي إلى التشهير وعدم الستر، حيث كان يطلب من السجين حفر قبور، أو تغسيل موتى"، مشيرا إلى "ضرورة الاستفادة من تجارب الدول المتقدمة". دائرة التطبيق من جهته يرى أستاذ علم الاجتماع، الدكتور صالح رميح الرميح، أن "السجن جزء من العقوبة التي يتلقاها المذنب في حق المجتمع، والعقوبات سنة الله للمخطئ، حيث حدد الشارع الحدود في العديد من القضايا، التي لا يجوز فيها الاجتهاد، أما الجرائم التعزيرية فهي التي يمكن الاستفادة من العقوبات البديلة". متسائلا عن "مدى جاهزية مؤسسات المجتمع المدني لاستقبال تطبيق العقوبات البديلة، وهل هناك آلية جيدة نستطيع أن نضعها بدلا من السجون!، حيث إن السجون تحولت في بعض الأحيان إلى مدارس للجريمة والعنف"، مضيفا "طالما أن هناك تكدسا في السجون، فمن المفترض أن تكون السجون بأحجام تستوعب المخالفين للأنظمة". مبينا أن "الهدف من السجن هو إصلاح السجين، والإصلاح لا يتحقق إلا بوجود آلية ترعاها السجون، وتقديم البرامج الإصلاحية والتأهيلية، وهي البرامج التي تقوم بالتنمية والمحافظة على السجين، ليكون مواطنا صالحا، مع المحافظة على كرامته، والتأكيد على ما له من حقوق ومن واجبات". استجابة القضاة عضو هيئة حقوق الإنسان، د.هادي بن علي اليامي، رأى أن "استجابة القضاة لما نودي به من تطبيق البدائل المقررة لعقوبة السجن، تعد أنموذجا للمرونة الذهنية التي يتمتع بها شيوخ ورجال القضاء في المملكة، وهذا ما ينسجم مع قواعد الشريعة الإسلامية، فى تحقيق المصالح ودرء المفاسد. والذي حدا بهذه المرونة، هو حجم المفاسد المترتبة على تضييق دائرة العقوبة". تجارب متقدمة اليامي أشار بإيجابية إلى التجارب العالمية، ومنها "تجارب الدول الأوروبية، والتى تأتي فرنسا في مقدمتها، حيث تستخدم نظامي الغرامة والعمل للمصلحة العامة، والذي تحدد من خلاله المحكمة عدد الساعات التي يجب أن يقوم بها المعاقب، والأجل الذي يجب أن ينتهي إليه، وفى كل حالة يجب ألا تقل ساعات العمل عن 40 ساعة، ولا تزيد عن 240 ساعة". أما بخصوص "الحبس المنزلي"، فشرح طريقته بقوله "هو نظام مستخدم في فرنسا، خاص بالنساء والعجائز، أو اللاتي يرضعن أطفالهن، وكل من جاوز سن 65، أو كان مصابا بمرض عقلي، ولو كان جزئيا". عقوبات متنوعة بدوره رأى مدير سجون نجران، العقيد علي الشهري، أن العقوبات البديلة يمكن أن تكون في "المنع من السفر، أو عدم مغادرة المنطقة، أو العمل في تنظيف مسجد، أو حفظ أجزاء من القرآن الكريم"، مضيفا "إننا مع الإصلاحيين الموجودين في إدارات السجون، ندعو إلى إيجاد هذه البدائل في العقوبات، التي تساهم في إخراج السجين من السجن، وخاصة لمن يكون لديه عقوبات على جرائم بسيطة، أو جنح، ويمكن للقاضي أن يرى في العقوبة البديلة وضعا مناسبا للسجين، بدلا من تعلم سلوكيات غير سوية".