عبدالكريم آل أحمد ذات مرة دخلتُ أحد المطاعم في الرياض، وعندما أردت أن أطلب، فوجئت بأن العاملين فيه لا يكلمون الزبائن إلا باللغة الإنجليزية! حينها أخذت أشيائي وخرجت ممتعضاً! قبل ذلك بيوم في الطائرة، صادف أن كانت المُضيفة أيضا لا تتحدث مع الركاب إلا بالإنجليزية! وأمام هذه الظاهرة المستفزة بت أتساءل دوما أين احترام هويتنا الوطنية؟ ولم الاستهانة بلغتنا؟ وماذا عن عروبتنا؟ أسئلة منطقية لا مفر منها، ومُحصّلةُ تراكمات كثيرة أثارت حفيظتي. لست مُستاء لكوني لا أجيد اللغة الإنجليزية، فهذا الأمر لا يُعد مَثلبَة في الرجل؛ فنحن نعيش في وطننا بين شعبه العربي الخالص، ولا نحتاج إلى أجانب يعملون في بعض المطاعم والفنادق والأسواق لا يتجاوبون معنا بغير الإنجليزية. هذا بحد ذاته إهانة لمجتمعنا، فإذا أردنا من غيرنا احترام لغتنا وثقافتنا؛ فعلينا قبل كل شيء تبجيل هويتنا العربية الأصيلة؛ فمجتمع لا يُبجل هويته هو بلا شك فاقد لأهم مقومات النهوض الحضاري والثقافي، فالهوية ليست لغة فحسب، بل هي دين، ووطن، وتراث، وتاريخ، وثقافة، وزِي. يتعين علينا التمسك بها، والعض عليها بالنواجذ. ومن المؤسف حقا أن يتعلم النشء في مدارسنا مادة (لغتي الخالدة)، ثم يشاهدون في الشارع أو بالتلفاز دعايات إعلانية بلهجة سوقية لا تليق بنا ولا بحجم تلك الشركات التجارية. لا أعني في ذلك التنطع والتكلف في العربية، إنما أقصد المحافظة على لغتنا الفصيحة والبسيطة. ولأن الزِيّ عنوان هويتنا؛ لا ينبغي لنا نزع ثوب تسرْبَلْنا به. هذا مجرد رأي لا أكثر، فلا أنا شيخ متشدد، ولا قومي متعصب. ما يغيظني فقط هو تخلي بعض شبابنا عن زِيهم الوطني السعودي رمز العروبة. مفضلين عليه ملابس غربية دخيلة، وقصات شعر غريبة! أضحت اليوم منتشرة في الجامعات أكثر من غيرها؛ حيث إن للتافهين من مشاهير (التواصل الاجتماعي) دورا كبيرا في تفشيها، فبتأثيرهم السلبي أصبحوا اليوم قدوات للكبار قبل الأطفال! وهنا أسأل لماذا المدارس وكافة المؤسسات الحكومية تفرض على منسوبيها الالتزام بالزِيّ الوطني السعودي بينما الجامعات مستثناة من ذلك؟ لابد من نظام صارم يفرض على كل الطلاب السعوديين التقيد بالزِيّ الوطني السعودي في كل جامعات المملكة باعتبارها أماكن حكومية؛ كي نحافظ على صورة هويتنا العربية ممن يحاول تغيير ملامحها. إن وافقتني الرأي فلا تقل: ok. فلهجاتنا المحلية تحوي مفردات مناسبة أولى من تلك الإنجليزية. واللافت للنظر عندما ننفك من ظاهرة «الكُول»، نجد من ينجذب لظاهرة «الدرباوية» التي لا ندري أي بيضة تفلقت عنها؟ ولا أي جحر خرجت منه؟ فهمجية هذه الفئة لا تمثل قيمنا ومبادئنا الرصينة، ويجب كبح جماح أفعالها المخالفة للأصول والذوق السليم. وقد أسهمت الدراما بشكل واسع في ترويج مثل تلك المظاهر الرديئة؛ عبر مسلسلات شبابية تسلب اتزان مجتمعنا ووسطيته، بل تصور مجتمع شبابنا كأنه في حالة استقطاب ثنائي حاد بين هاتين الظاهرتين الشاذتين، التي لا تعكس حقيقة مجتمعنا المحافظ الممتاز بسمات إيجابية كثيرة.. لكن في غمرة تيه الإعلام، تتجلى الهوية في رحلة البحث عن الذات العربية.