منذ 10 أعوام وهن يحلمن بمظلة رسمية، يستطعن أن يمارسن من خلالها العمل المسرحي، تلك هي حال المسرحيات السعوديات، رغم التأكيدات التي لا تبرح تردد أن المسرح موجود ولكن واقعه الحالي يقول إنه مقتصر على أنماط محددة، تتعلق بالمسرح التعليمي، والتوجيهي الواعظ، الذي يقام في بعض المهرجانات النسوية، أو المناسبات التثقيفية والترفيهية. حلول بديلة ما تعتبره بعض المعنيات بالمسرح نوعا من "الجمود"، والبيروقراطية في اتخاذ القرارت، دفعهن إلى الاتجاه إلى البحث عن مخارج وحلول بديلة، فكان أن ذهبن إلى إحدى الجمعيات النسائية، كونها المظلة التي يمكنها أن تحتضن الطاقات والمواهب النسائية، لما لها من شرعية رسمية، فكانت جمعية "العطاء"، أول جمعية نسائية خيرية بمحافظة القطيف، والتي تهدف من خلال أنشطتها إلى رفع مستوى المرأة والطفل والأسرة في المنطقة. بدأت الجمعية بإقامة مهرجانات خاصة بمسرح الطفل، عقدت في روضة جمعية القطيف الخيرية، حيث تقام في كل عام أكثر من فعالية، تعتني بجوانب التعليم والتثقيف والترفيه. أما الآن فقد اختلف التوجه بالنسبة لها، حيث كونت أكثر من فرقة، وأولها "فرقة قبس"، التي يتكون أعضاؤها من عشرة أشبال موهوبين، ولديهم حس عال جدا، وبذلك يكون دورها هو رعاية هذه البراعم، وتوجيهها بقدر المستطاع، نحو الفن المتجانس الذي يلامس الحس الطفولي لديهم، وينمي موهبتهم الفنية. المسرح النسائي هذه الخطوة تجاه الأطفال، توازت معها خطوة أخرى تجاه الفتيات، وهو الأمر الذي تحدثت حوله رئيسة قسم المسرح في جمعية "العطاء" روضة عبدالنبي، التي أبانت إلى "الوطن" أن قسم المسرح النسائي "ما زال في بداياته، حيث كانت بداياته من قبل مجموعة من المنتسبات الموهوبات في التمثيل المسرحي"، مبينة أن هذه المجموعة "تهدف إلى التطلع إلى ريادة المسرح ورعايته، ومحاولة الإلمام بالموهوبات والمهتمات بجانب المسرح، وذلك بتأهيل وتدريب كوادر نسائية، وانخراطهن في دورات وورش تعتني بالمسرح مستقبلا". عبد النبي وفي حديثها معنا، أبانت أنه " لا يوجد في الجمعية إلا فرقة واحدة منتسبة إلى الآن لمنظومة (كيتوس الثقافي) التابعة للجمعية، ومعظم عضوات الفرقة هن منتسبات ومتطوعات، وأغلبهن هاويات لديهن حس فني مرهف، وميول فنية وحب للتمثيل المسرحي"، مضيفة "لدينا الآن ما يقارب العشر ممثلات، كبداية تأسيسية للفرقة، ومخرجة، ومديرة مسرح، ولكننا نفتقر إلى التخصصات الفنية، كمصممة المؤثرات، ومشرفة الإضاءة، ومسؤولة للمؤثرات الصوتية، وفريق المكياج والتنكير، وغير ذلك، وبذلك توكل كل هذه المهام إلى المخرجة ورئيسة الفرقة، وهما بدورهما تفتقران إلى الخبرة العملية في تلك المجالات، لذا نستعين بطاقم فني لديه معرفة واعية، متعاون من الرجال، خارج عن سرب الجمعية، للاستفادة من خبرتهم في هذه المجالات". نشاط متنوع وعن مواصفات المسرحيات التي تقدم، ذكرت روضة عبد النبي أنه "حتى الآن قدم أكثر من عمل مسرحي، وهي تخص المهرجانات والفعاليات التي تقدمها جمعية العطاء، كخدمة للمجتمع، ومساهمة منها في تنشيط الحركة المسرحية النسائية، ومن أهمها مسرحية (حريمكو)، ومسرحية الأطفال (حمار الغفلة)، ومسرحية (الملوثون)، ومسرحية (رحلة الطريق المفتوح) الحائزة على جائزة أفضل عرض مسرحي، وأوبريت (حلم العطاء) الذي قدم في الحفل التعريفي لجمعية العطاء"، مضيفة أنه "ما زال هناك الكثير من الأعمال، التي نطمح أن ننجزها هذا العام". رغم كل هذه الجهود التي أتت بإمكانات متواضعة، إلا أن الحلم بالنسبة لروضة وزميلاتها المسرحيات، يبقى إيجاد قاعة خاصة للمسرح، مجهزة ومتكاملة، وتأهيل كوادر نسائية أكاديميا في مجال التمثيل والإخراج، والتأليف والفنون السمعية والإيقاعية، تخدم جوانب التمثيل والظهور بشكل متمكن، خصوصا أن الإقبال على المسرح بشكل عام أخذ في التوسع، وهنالك أكثر من 25 فرقة مسرحية موجودة في المنطقة الشرقية وحدها، وجميعها فرق رجالية. أما الفرق النسائية فهي موجودة، وإن كانت غير منتسبة إلى أي مظلة رسمية. وفي هذا الصدد تقول عبدالنبي "نحن بدورنا نسعى إلى اكتشاف هذه الفرق، وتشجيعها في الانتساب إلى عضوية الجمعية، والاستفادة من تجاربها وخبراتها". معوقات عدة المؤلفة والمخرجة سلمى بوخمسين، أكدت أن "العادات الاجتماعية والثقافة السائدة، وعدم الإقبال بشكل عام، هي ما أعاقت تقدم المسرح النسائي في المملكة"، مبينة أنه حتى الآن قدمت سبع تجارب في المسرح، و"جميعها وسط مجتمعات نسائية مغلقة". وترى بوخمسين أن المسرح النسائي "مبتدئ جدا"، متمنية أن "يواكب المسرح الرجالي"، غير مغفلة لوجود عدد من الصعوبات تعيق أداء الفتاة، لأن "العمل يتطلب مجموعة أعمال، كالمونتاج، والمؤثرات والصوتيات، وهذا مما يصعّب المسؤولية على الفتاة، لأنها لن ترضى التعامل مع الجنس الآخر". وتطالب بوخمسين "أن يكون هناك طاقم نسائي، يرفع أي حرج بالنسبة للفتاة، لدى قيامها بأي عمل مسرحي"، خصوصا أن "العمل بالطاقم النسائي سيسهل من إقبال النساء على العمل في جو مريح، مع الحرص على عدم التصوير والتسجيل"، يلاحظ أنه "لم نصل حتى الآن إلى تقديم أعمالنا بالحجاب". بوخمسين ومن خلال احتكاكها الدائم مع المسرح استطاعت أن تؤسس مع زميلاتها فرقة "قبس" للأولاد، إلا أنهن لم يستطعن تأسيس فرقة للفتيات. صعوبة البدايات الممثلة أفراح عبدالله، بدأت التمثيل في الديوانيات النسائية، والمنازل، والمزارع أحيانا أخرى، بدءاً من تجهيز الملابس، ومعرفة الملامح الرئيسية للشخصية، ثم الحوار بشكل عام، وارتجاله أمام الملأ. صعوبات عدة واجهت عبدالله في بداياتها، إلا أنه "لم نكن نعبأ بها، لأننا لم نعتبر أنفسنا ممثلات"، تقول أفراح "من الصعوبات التي واجهناها الصعوبات المادية والتقنية، حيث لا توجد أماكن مجهزة لنا للتدريب والعرض، وكنا نستخدم التجهيزات من مقتنياتنا الشخصية، ويصعب أحيانا علينا توفيرها، كما أننا نعرض أكثر الأحيان دون إضاءة سليمة، ودون ديكور مناسب، وبدون منصة عرض". المنغصات لم تقتصر على ما مضى وحسب، بل يضاف إليها "انسحاب الممثلات، أو تغيبهن عن البروفات، وهو الأمر الذي يشكل عائقا كبيرا، مما يؤثر على مستوى أدائهن أثناء العرض النهائي. كما قد تضطر إحدى الممثلات إلى تمثيل دورين أو أكثر، لقلة العدد"، خصوصا أن "التمثيل ما يزال مهنة معيبة عند الكثيرين، فلا يتقبل الجميع عمل ابنته كممثلة، حتى وإن كان مجرد هواية غير احترافية". فقر النصوص تعد مسألة غياب النصوص وكتابتها بشكل سليم وحبكة جيدة ومشوقة، مشكلة أخرى تحد من طموح الممثلات، مما قد يتسبب في يأس وتململ الكثيرات، وتوسع الهوة بينهن وبين الفرق الشبابية، الأمر الذي يضيف عبئا نفسيا ومعنويا، خصوصا مع غياب التشجيع المعنوي، بل وتحول ما يفترض أن يكون تشجيعا إلى ضغوط متواصلة، لا تلبث أن تجبر عددا من الفتيات على الانكفاء وهجران هوايتهن المفضلة. فرق غير منظمة ولكن ماذا عن عدد الفرق المسرحية النسائية؟، تقول أفراح عبدالله إن "أعداد الفرق المسرحية غير معروفة، لأنها ليست مصرحة، كما أن أغلب الفتيات يمثلن لهواية لا لاحتراف، ولا يعلمن أين يبدأن وكيف". أما بالنسبة لأشهر الفرق ف"هي لا تتعدى اثنتين، مع الإشارة لتبني جمعية العطاء النسائية الخيرية هذا الجانب، عن طريق تكوين لجنة تهتم بشأن المسرح وتشجع المواهب". أما ما يقدم من مسرحيات فذكرت أن "الأفكار تاريخية على الأغلب، وكوميدية أحيانا أخرى، وتقدم غالبا للأهل أثناء الرحلات العائلية، أو ينضم إليهم الجيران والأصدقاء في الديوانيات و المزارع، وإن تطور الوضع، يتم استئجار استراحة والعرض فيها، لأكبر جمهور ممكن من الناس". ملاحظات نقدية المسرحي جبران الجبران يرى أن "فكرة انطلاق المرأة في المسرح جيدة، لكن فكرة المسرح النسائي سيئة جدا، لأنها تكرس مبدأ تفرقة الثقافة بين الجنسين، وهو ما يكرر المأساة التي بدأت مع فكر الصحوة، وهي الخصوصية السعودية، حيث انعزلنا عن العالم، وأصبح لنا شكل ثقافة ذكورية بحتة، والمسرح الآن بحاجة إلى المرأة كعنصر فاعل، سواء ممثلة أو مخرجة، أو كاتبة، على أن تكون مع المسرحي، وليس في معزل كمسرح نسائي مبتور"، مضيفا "إننا لو آمنا بفكرة المسرح النسائي، سيكون المسرح السعودي أعرج"، مؤكدا أن المسرح النسائي "بدأ منذ ثلاث سنوات ببعض الفرق في المنطقة الشرقيةوجدة والرياض، وهي تشكلت من تلقاء نفسها بدون تنظيم، ولا توجد فرق مسرحية ثابتة، وما يعضل عليهم هو عدم وجود التدريب اللازم، مما يجعل عدم الاستطاعة بالنقد والتوجيه في مجتمع نسائي، فالمتلقية والممثلة حديثتا التجربة". جمهور عائلي الممثلة شيرين باوزير، رأت أنه "لا يوجد مسرح نسائي"، معللة أنه "لا يوجد فرق بين المسرح والتلفزيون، ففيهما تقف الممثلة أمام الجمهور باحتشام، ودون الخروج عن النص، رغم مشاركتها بمسرحيات أجنبية"، مطالبة ب"عرض مسرحيات بممثلين وممثلات، لجمهور عائلي". إقبال وتفاعل التحفظ الذي يمارسه البعض، تواجهه الممثلة شعاع توفيق باندفاعها نحو المسرح، مؤكدة أن "تقبل الممثلة المسرحية في المجتمع فعّال، والإقبال غير متوقع، من خلال بعض المسرحيات التي قدمت ببعض المدن السعودية،" مضيفة "أن الجمهور تواق للمسرح، والدليل حضوره للمسرح ببعض الدول، بشكل كثيف". معتبرة أن"الأهم هو وجود مسارح ببعض المحافظات، وإعطاء الفرصة أكثر للمشاركة، خصوصا أن الممثلة المسرحية أثبتت تواجدها، وبدأ المسرح النسائي أكثر نشاطا وحركة". مسرح قائم أما عضو مجلس إدارة جمعية المسرحيين السعوديين، الدكتورة إيمان تونسي، فتؤكد أن " المسرح النسائي موجود، وتطالعنا الصحف المحلية بين الفينة والأخرى بأخبار عن تقديم فرقة نسائية لعرض مسرحي، أو رؤية نقدية لمسرحية نسائية، قدمت على خشبة قاعة المسرح في إحدى الجمعيات الخيرية النسائية، أو كليات أو مدارس البنات"، مضيفة في حديثها معنا "لا أستطيع بالتحديد أن أجزم بمكان عرض أول مسرحية نسائية، ولكن وقت البداية أستطيع أن أقول مع بداية تدريس مناهج الدراما لطالبات كليات التربية والآداب للبنات في أقسام اللغات، بهدف التعرف على آداب الشعوب الأخرى وثقافاتها، ولا يمكن الاعتقاد أن الأمر يتعلق بمنطقة معينة، بقدر ارتباطه بوجود الكادر النسائي الذي يؤمن بدور المسرح التربوي والاجتماعي، وقدرة ذلك الكادر على صياغة منظور فني لواقع معاش، حتى لو اقتضى ذلك الاعتماد على اقتباسات، أو تعريب لتجارب إنسانية". حضور واسع تونسي تعتقد" أن هناك إقبالا جماهيريا واسعا، كنت أتمنى معه أن تمتد العروض لأيام عديدة، بدلا من أن يقتصر العرض على أمسية واحدة فقط، لأن استيعاب صالات العرض محدود، وهذا يعني حرمان قطاع كبير من الراغبات في متابعة الفن المسرحي من مشاهدة منجز مسرحي استغرق إعداده وقتا طويلا، وجهدا كبيرا، ويتضح من خلال ذلك إتقان الأداء، والتزام المشاركات بتدريب طويل ومكثف". ميزة خاصة! مستقبل المسرح النسائي في المملكة لا تراه تونسي "سلبيا"، وتعتقد أنه "بدأ المسرح النسائي مغلقا، وأدى دوره بشكل جيد، فالانغلاق في مسرحنا المدرسي والجامعي وفي مؤسسات المجتمع المدني الخاصة بالنساء، لم يخل بأي من عناصر المسرح المتعارف عليها، و لعل مسرحنا النسائي يصبح ميزة لمجتمعنا، كما أصبح المسرح الكاوبوكي ميزة للمسرح الياباني، على مدى قرون من الزمان".