تثير مرحلة ما بعد هزيمة تنظيم داعش في العراق، تساؤلات عميقة حول مستقبل النفوذ الإيراني في هذا البلد المهم استراتيجياً للعالم العربي، في ضوء تنامي دور ميليشيات الحشد الشعبي التي تربطها صلات عسكرية وأمنية متينة مع الحرس الثوري الإيراني، كما أن تطورات الحرب في سورية التي مالت في ميزان قوتها لصالح نظام بشار الأسد، جعلت بعض القنوات السياسية العراقية تتحدث عن مرحلة أكثر تصعيداً لنفوذ نظام ولاية الفقيه في طهران داخل الوضع العراقي. وطرح التقارب على المستويين السياسي والأمني بين المملكة العربية السعودية والعراق في الأسابيع الأخيرة، أهم التحديات لهذا النفوذ الإيراني، لاسيما أن المعلومات أشارت إلى أن الحكومة العراقية برئاسة حيدر العبادي، تلقت رسائل إيرانية تتحفظ على هذا التقارب الحاصل بين البلدين، كما توجد قناعة واسعة في بغداد بأن تقارب بغدادوالرياض جاء في وقت حساس، لأن كل التكهنات تتجه إلى أن النظام الإيراني يعد خطواته لعودة رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي إلى السلطة عبر الانتخابات البرلمانية المقبلة، وما يمكن أن يفرزه هذا التطور من تمكين أكبر لنفوذ وخطط إيران في المنطقة. النظرة إلى العلاقة مع السعودية قال نواب عراقيون من التحالف الوطني الذي يقوده المكون الشيعي في بغداد، في تصريحات إلى «الوطن»، إن العلاقات بين بلادهم والسعودية ستتركز بشكل أساس على بلورة دور اقتصادي سعودي باتجاهين: دعم إعمار المدن التي تم استعادتها من سيطرة تنظيم داعش وهي مدن مدمرة في معظمها وهذا العمل يدعم الاقتصاد العراقي. والاتجاه الآخر، هو ضخ استثمارات سعودية لتطوير الصناعات العراقية والبنى التحتية في مدن العراق، خاصة في جنوبه الذي يضم أغلبية سكانية وفيه نسبة بطالة عالية. وأكد النواب وبعضهم من ائتلاف دولة القانون، وهو كتلة لها صلات قوية بطهران، أن النظام الإيراني لا ينظر إلى التقارب العراقي السعودي على أنه تحد لنفوذه في الشقين الأمني والعسكري بل تحد له على المستوى الاقتصادي لأن الرياض لديها موارد ضخمة والأهم لديها سياسات محترمة في بناء استقرار ورخاء المجتمعات، وهذا ما يهم الشعب العراقي في المرحلة المقبلة بعد الخروج من نفق مظلم اسمه داعش. الاقتصاد ومحاربة الإرهاب توقع النواب أن تسير العلاقات العراقية السعودية في طريقين الأول، محاربة الإرهاب، والمملكة ستكون مفيدة للغاية في هذا الملف سيما في ملف الحدود. والثاني، التفكير ببلورة مشاريع اقتصادية مشتركة بين بغدادوالرياض، وفي دعم العلاقات العلمية بين البلدين اللذين يضمان أعرق الجامعات في المنطقة. غير أن بعض القنوات السياسية العراقية المنحازة لطهران قالت إن السعودية في سعيها لاستثمارات اقتصادية كبيرة في العراق بعد حرب داعش وتفكيرها بمشاريع عملاقة علمية وصناعية بين البلدين، تستهدف بطريقة غير مباشرة، إضعاف النفوذ الإيراني الذي يعتمد على الأمن والمذهب بشكل مركز. جناحا طهران يشكل النشاط الإيراني في المجالين العسكري والأمني، أحد أهم دعامات نفوذها في العراق لسببين: الأول، يتعلق بأن هذا النوع من النشاط يمكن مؤسسة الحرس الثوري الإيراني دون غيرها من المؤسسات الإيرانية الأخرى من الاستحواذ على الحصة الأكبر من النفوذ في الوضع العراقي، وهذا أمر حيوي لفريق المرشد علي خامنئي. والسبب الثاني، يتعلق حتماً بأهمية النشاط الإيراني في المجالين العسكري والأمني، لأنه يمثل ركيزة لسياسة التدخل في الأوضاع الداخلية للدول الأخرى التي ينتهجها نظام الحكم في إيران منذ عام 1979. مجموعات صغيرة قال مصدر مهم في تيار الزعيم العراقي مقتدى الصدر الذي يعد من القوى المؤثرة في المشهد السياسي في بغداد، إن إيران نجحت خلال الحرب على داعش وبناء قوات الحشد الشعبي من مضاعفة الدعائم التي يقف عليها نفوذها، فقبل هذه الحرب لم تكن تملك قواعد عسكرية رغم قوة العلاقة في حينها بين المالكي والنخبة السياسية الإيرانية، ربما لاعتبارات ترتبط بتفاهمات عراقية أميركية بعدم السماح بهذا الأمر، وقد كان نفوذها في الأمن والقوة العسكرية يقتصر على مجاميع صغيرة متفرقة تتواجد في مكاتب صغيرة، كما أن الحرس الثوري الإيراني بقيادة قاسم سليماني كان يدرب بعض المجاميع العراقية الطائفية، في منازل ريفية لديها بساتين أما في الوقت الراهن، فقد تغيرت المعطيات. 17 معسكرا بالجنوب بحسب معلومات المصدر الصدري، فإن الحرس الثوري بنى 17 معسكرا في مدن العراق، سيما في جنوبه خلال هذه الحرب على داعش، ما بين العامين 2014 و 2016، وتتوزع على البصرة: 3 معسكرات، الناصرية: معسكران، العمارة: معسكران، الكوت: معسكر واحد، كربلاء: معسكران، وديالى التي تقع في شمال شرق بغداد: ثلاث معسكرات على اعتبار أن ديالى أقرب منطقة إلى إيران خاضعة لنفوذ الأكراد و العرب السنة، كذلك بابل: معسكران، جنوببغداد لجهة اليوسفية والمحمودية واللطيفية: معسكران. مهام المعسكرات تتولى هذه المعسكرات المهام التالية: تدريب عناصر قوات الحشد الشعبي والمتطوعين في صفوفها وإرسالهم إلى جبهات القتال ضد داعش داخل العراق بشكل رئيسي، ويمكن إرسال بعض المجاميع إلى داخل سورية، وتدريب عناصر إرهابية من دول الخليج العربي، وإقامة دورات ثقافية عقائدية تعتمد على فكر العقيدة الطائفية التي يؤمن بها نظام ولاية الفقيه في طهران، إضافة إلى إمكانية نشر قوات وأسلحة إيرانية في هذه المعسكرات في المستقبل، وهذه النقطة الأخيرة يعتبرها المصدر المهم في التيار الصدري، مثيرة جداً لأنها قد تعني دخول المنطقة في حروب، لكن الموضوع ضئيل الاحتمالات، لأن الولاياتالمتحدة لن تسكت عليه، كما أنه سيحتاج إلى موافقة البرلمان العراقي. النشاط المذهبي أوضح الباحث العراقي في الكوفة، بمدينة النجف جنوبالعراق رحيم القريشي في تصريحات إلى «الوطن» أن الجزء الأعظم من النشاط المذهبي لإيران في العراق يتركز على مدينة كربلاء، وليس النجف لأن هذه الأخيرة سواء على مستوى المرجعيات الدينية برئاسة علي السيستاني، أو على مستوى تيار مقتدى الصدر الذي يتواجد في الكوفة بصورة كبيرة، يعارضان نشر فكر نظام ولاية الفقيه، كما أن الحالتين الصدرية و السيستانية تؤمنان بأن المرجع الرئيسي للشيعة النجف وليس مدينة قم، وهذا يثير غضب خامنئي دائماً. التكتم على الأساليب أضاف القريشي «نشر فكر مذهب ولاية الفقيه في العراق لا يتعلق بالعمل الإعلامي كما يتصور كثيرون بل في أمور ربما لا يعلن عنها أو يتم التكتم عليها، وقد لا تلفت الانتباه مثل الزواج من إيرانيات أو إيرانيين، فالإحصاءات المتاحة تفيد بوجود عقود زواج بين إيرانيين وعراقيات وبين عراقيين وإيرانيات بين عامي 2006 و2012 تصل إلى 34 ألف حالة زواج بمحكمة عراقية أو إيرانية، كما تم سن قانون لتجنيس العراقيين من أم عراقية وأب أجنبي من أجل إتاحة الفرصة ل 380 ألف عراقي وربما يوجد غيرهم، ينطبق عليهم هذا الواقع في إيران». التعليم والسياحة الدينية أكد القريشي أن الطلبة الإيرانيين الذين يدرسون في كربلاء والنجف في مدارس الحوزة العلمية يرسلون لغرض نشر مذهب ولاية الفقيه، كما أن تركيز النظام الإيراني على السياحة الدينية التي تسمح بتدفق ملايين العراقيين إلى موقع علي الرضا في مشهد، وملايين الإيرانيين إلى مواقع دينية في النجف وكربلاء والكاظمية وسامراء في العراق، تسهم في سياسة إيرانية هدفها تمتين الروابط الطائفية بين الدولتين، مشيراً إلى أن السياحة الدينية تضطلع بمهمة في غاية الخطورة وهي إقناع العراقيين دائماً بأن إيران هي عمقهم الإستراتيجي والمذهبي، وبأن هذه السياحة هي نصرة للمذهب وتحد للمذاهب الأخرى. جلب عمال أجانب تشير التقارير الصادرة عن قنوات مالية عراقية إلى أن العلاقات الاقتصادية بين بغدادوطهران ارتفعت من 10 مليارات دولار سنويا إلى 16 أو 18 مليار دولار بعد الحرب على تنظيم داعش. وقال المحلل الاقتصادي في بغداد أحمد عبد الستار إنه من الضروري أن نطرح حصة العراق وحصة إيران من مبلغ 10 أو 18 مليار دولار، وهناك من يتحدث عن 20 مليار دولار، لأن حصة إيران من هذا العائد المالي الضخم يتجاوز أكثر من 80 % منه، كما أن التقارير من هيئة السياحة العراقية تبين أن الإيرانيين يستحوذون على أكثر من 60 % من سوق النشاط السياحي الديني، وهذا معناه أن المواطنين العراقيين كشركاء في هذا القطاع سيخسرون حتماً، مضيفاً أن شركات سياحة إيرانية بدأت في الفترة الأخيرة جلب عمال أجانب من أفغانستان وباكستان، وهؤلاء على المذهب الإيراني للعمل في قطاع السياحة في النجف و كربلاء العراقيتين، وهذا يقلل من حجم فوائد هذا القطاع للعراقيين على مستوى فرص العمل». لا استثمارات لطهران أكد عبد الستار أنه من غير المنطقي من منظور اقتصادي أن نتحدث عن استثمارات إيرانية في العراق لأن هذا المفهوم غير حقيقي، لأنه لا توجد استثمارات إيرانية بل توجد تجارة إيرانية لا استثمارات، علماً بأن هذه التجارة في معظمها تعمل باتجاه واحد أي من إيران إلى العراق، حيث يشتري العراقيون من إيران الغاز و الكهرباء، كما أن بعض الشركات الإيرانية الغذائية تغطي جزءاً مهماً من مواد البطاقة التموينية العراقية، إضافة إلى سلع لا حصر لها إيرانية تباع في الأسواق العراقية، وهذا يعني من الناحية العلمية الاقتصادية أن إيران لا تستثمر في دعم قطاعات اقتصادية عراقية صناعية وزراعية من شأنها أن توفر فرص عمل لعراقيين، كما أن إيران المستفيد الأكبر من التجارة مع العراق وليس العكس. أهمية علاقة بغدادبالرياض - دعم الاقتصاد بإعمار المدن المدمرة على يد داعش - ضخ استثمارات سعودية لتطوير الصناعات العراقية - الاهتمام بالبنى التحية في مدن العراق خاصة بالجنوب مخاوف طهران - السعودية لديها موارد ضخمة يستفيد منها العراقيون - المملكة تتبنى سياسات محترمة لاستقرار ورخاء المجتمعات - رغبة العراقيين بالاستفادة من الدعم السعودي للخروج من النفق المظلم السلوك الإيراني في العراق - الاعتماد على المجالين العسكري والأمني عبر الحرس الثوري - بناء المعسكرات والاعتماد على ميليشيات الحشد الشعبي - توسع النشاط المذهبي ونشر فكر ولاية الفقيه - الترويج للزواج من إيرانيات أو إيرانيين - استغلال العراقيين ماليا واقتصاديا - نشر المذهب الشيعي عبر التعليم والسياحة