بكثير من الوضوح والدقة، يقدم المهندس البراء هاني محمود طيبة وصفة علمية وعملية لصناعة مهنة التعليم، مستندا في ذلك إلى عمل على مدى عامين في هيئة تقويم التعليم. وجاءت الوصفة خلاصة عمل طيبة وفريقه في الهيئة، حيث عملوا على مدى عامين بتحليل الوضع الحالي لمهنة التعليم ابتداء من مراحل الإعداد إلى عمليات التطوير المهني وأنظمة المحاسبية في التعليم. ورأى طيبة أن الاحتفال بالمعلم يتمثل بدعمه وتمكينه لأداء مهمته ومهنته، ساردا حقائق تحقق مصداقية ما يقول، ثم يعرض بعض الأسس والمبادئ التي تعتمد عليها صناعة مهنة التعليم، ويدعمها بتأكيد القيم الأساسية التي تشكل الإطار الإنساني والتشغيلي لتحقيق ذلك، ويختم بآلية تطبيق الأسس والقيم في استراتيجيات بسيطة. المهنة الأهم يقول طيبة «لا أريد أن أعرض إنجازات جهاز أو مشروع، إنما سأبدأ ببعض الأرقام التي تحقق الثقة لما سأقدمه من استراتيجيات لصناعة مهنة التعليم، من خلال أكثر من 80 ورشة عمل شارك فيها ممثلون من الميدان التربوي من 45 إدارة تعليم، ومن خلال مذكرات خطية شارك فيها أكثر من نصف مديري تعليم المملكة وأكثر من 15 عميدا لكليات التربية، ومن خلال شراكات واقعية وعملية مع كافة مستويات وزارة التعليم من الوزير ووكلاء الوزارة والمعلمين والمعلمات من جميع المراحل والتخصصات، إضافة إلى رأي المجتمع من الطالب وولي الأمر. إضافة إلى تحليل ودراسة السياسات والأنظمة واللوائح المتعلقة بمهنة التعليم ومهام شاغلي الوظائف التعليمية. إضافة إلى تكليف محكم دولي متخصص لتحكيم الآليات والاستراتيجيات المقترحة لنتأكد أن ما نقوم به يوافق الواقع الوطني ومتوافق أيضا مع أفضل التجارب الدولية. لقد مثلنا المملكة فخرا في 6 محافل دولية، ومع أكثر من 10 من أبرز الخبراء الدوليين في مجال مهنة التعليم، وحققنا لفت النظر الدولي لما قمنا به. وكذلك المواءمة مع البحوث الدولية وأفضل التجارب بتحليل أكثر من 50 دراسة علمية حديثة. كما حققنا رضى المعلمين والمعلمات في الميدان لما قمنا به من آليات في العمل». حجر الأساس يوضح طيبة «تبدأ الاستراتيجية المقترحة لصناعة مهنة التعليم من مفهوم أن المعلم والمعلمة هما حجر الأساس في المهنة، ولذلك فإن تطوير المهنة لا بد أن يشمل الرحلة المهنية كاملة، ابتداء من فترة الإعداد بالجامعة إلى مراحل التطوير المهني وهم على رأس العمل مرورا بالتوظيف وآليات الاختيار. هذا المبدأ أساسي لأن جميع عمليات التطوير متكاملة، ومهنة التعليم جزء من منظومة بها الإدارات والمدارس والأنظمة والحوافز والطلاب والاختبارات والمناهج، وجميعها مرتبطة. أولى خطوات تمهين التعليم تبدأ بوضع معايير مهنية طموحة وقابلة للتحقيق تصف كل ما يجب على شاغلي الوظائف التعليمية معرفته وممارسته وفق قيم ومسؤوليات المهنة. وبعد ذلك، يُجرى مسح ميداني لأدائهم لكشف نقاط القوة والضعف في الأداء. كما يدعم المسح الميداني دراسات نوعية وكمية حول أداء شاغلي الوظائف التعليمية وتدفقهم الكمي والنوعي خلال رحلتهم المهنية، ابتداء بمرحلة الإعداد مرورا بالاختيار إلى التطوير المهني. وبعد المعايير وخلال فترة المسح، تتم مواءمة السياسات والأنظمة التعليمية الخاصة بوزارة التعليم أو خارجها من الخدمة المدنية أو العمل أو غيرها لتتوافق مع توجهات سياسات المعايير المهنية، بالإضافة إلى البدء في تطوير أدوات الدعم والتمكين والتي تساعد شاغلي الوظائف التعليمية على فهم معاييرهم المهنية وآليات تطبيقها. ويجب أن تساعد هذه الأدوات على خلق مجتمعات تعلم ومشاركة ميدانية للتعلم، وتُبنى بالشراكة مع الميدان التربوي وبأسس علمية ومهنية. ومن هذه الأدوات على سبيل المثال: أداة التقييم الذاتي، أداة الملاحظة الصفية، ملف الإنجاز المهني، برامج التدريب الموجهة، برامج الشراكة مع القطاع الخاص، وغيرها من الأدوات التي يمكن طرحها بناء على فهم المسؤول لاحتياجات الواقع». استثناءات منطقية إضافة إلى التدرجية والاختيارية، يقول طيبة «لا بد من إدراج استثناءات منطقية للنظام لتحقيق العدالة والتمكين، ومنها: استثناء من بقي على تقاعده 10 سنوات، واستثناء الاشتراطات المطبقة على المعلم الجديد وغير متوفرة في المعلم الحالي عدا معايير الأداء، استثناء الأداء المهني العالي للمعلم رغم عدم توافق المؤهلات المطلوبة، وغيرها من الاستثناءات التي تؤكد مفهومي العدالة والتمكين. ولكن لابد من الحزم في تطبيق النظام، والنظام لا يقبل أعذارا بعد ذلك ولا يُسمح بفرص إضافية حرصا على مستقبل هذا الوطن وتحقيقا للأمانة. والشراكة مع الميدان للتحقق من النظام عادل وواقعي ضروري». القيم المهنية يتابع طيبة «مفهوم آخر وهو الشفافية، وهذا النهج المتبع في حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ولتحقيق الشفافية، لابد من توفير جميع المعلومات والبيانات، توضيح اللوائح والأنظمة والضوابط، سهولة الوصول للمعلومة، إمكانية القضاء والاعتراض لنظام الرخص المهنية سنويا، وغيرها من مفاهيم الشفافية. وأخيرا، التأكيد على المفهوم الأساسي وهو الشراكة. الشراكة في كل خطوات البناء مع أصحاب المصلحة، بدءا بمعالي الوزير والمسؤولين والمعلمين والمعلمات وباقي شاغلي الوظائف التعليمية». الاستدامة في تمهين التعليم يركز طيبة على مبدأ الاستدامة في تمهين التعليم، ويقول «إن انطلق العمل في الترخيص المهني لشاغلي الوظائف التعليمية.. لا بد أن يتم تطبيق النظام على الجميع. ما حققته الاستراتيجية إلى الآن هو: بناء معايير مهنية لشاغلي الوظائف التعليمية، مسح ميداني كمي ونوعي للمستوى الفعلي لأداء شاغلي الوظائف التعليمية، تطوير برامج الدعم والتمكين، مواءمة الأنظمة والسياسات بما يتوافق مع سياسات المعايير المهنية، تطبيق الرخص المهنية بصورة تدريجية، تحقيق المفاهيم الأساسية والقيم من عدالة، تمكين، واستدامة، وشراكة، وشفافية. يتبقى في الاستراتيجية خطوة وهي ربط جميع الوظائف التعليمية ببعضها من معلمين، ومديري مدارس، ووكلاء، وإرشاد طلابي، ومساعدي مديري تعليم، ومديري تعليم، وأساتذة كليات إعداد المعلمين، ومشرفين تربويين. وخلال بناء المعايير، لابد من الأخذ بالحسبان ضرورة وضع ضوابط وآليات ربط الوظائف التعليمية ببعضها وآليات الانتقال من مسار مهني إلى آخر، وفي الربط، لابد من الأخذ في الاعتبار المفاهيم الأساسية في بناء المعايير، فلكل مهنة مسارها الخاص ورحلتها المهنية الخاصة واحتياجاتها الخاصة من برامج الدعم والتمكين، ومع خصوصية كل مسار مهني، إلا أن جميع المسارات المهنية لابد أن تكون مرتبطة ومترابطة ببعضها ليتضح المسار المهني للمعلم وقائد المدرسة وأستاذ كلية التربية والمشرف التربوي وغيرهم». الثبات والمصداقية يشير طيبة إلى أنه «عند تطوير المعايير وأدوات القياس والاختبارات وأدوات الدعم والتمكين، لابد من التحقق بصدق من معيارين أساسين وهما: الثبات والمصداقية، وهما يعكسان العلمية والمهنية التي تحققها المعايير في الميدان التربوي. وإضافة إلى ذلك، الشراكة.. الشراكة.. الشراكة. تعمقت هيئة تقويم التعليم في مفهوم الشراكة إلى أن أصبح المعلم مالكا للمعايير، واعتبر نجاحها نجاحه، فحققنا مستوى أعمق من الشراكة وهو الانتماء. انعكس ذلك من خلال بعض المبادرات التي أطلقتها الهيئة وفريق العمل مثل: منصة «معلمونا» بمشاركة أكثر من 30 ألف معلم والتي حازت على جائزة الحكومة الإلكترونية للشراكة المجتمعية، وبرنامج «معيار» في أسبوع، وحملة «المعلم الأول» التي تم اقتراحها من المعلمين وتم تطبيقها حول المملكة، ومشاركة الميدان التربوي ببرنامج سفراء «معلمونا»، وتنظيم ملتقى صناعة مهنة التعليم والذي شارك فيه خبرات وطنية ودولية، وغير ذلك من الدعم والمساندة الذي تشرفنا به من الفرق واللجان الاستشارية في الميدان». النظام لا يُعاقب على خطئه يواصل طيبة «هدف الاستراتيجية الأساسي هو دعم وتمكين شاغلي الوظائف التعليمية بالميدان، وعلى النظام ألا يعاقبهم على خطأ اقترفه النظام، إنما المعاقبة تكون على التقصير في الأداء بعد توفير الدعم. وأقصد على سبيل المثال، المعلم الذي يعين بدون شهادة تربوية، وبذل جهده واجتهد في التعليم، فهل نلزمه بالتربوي خلال عمليات الإصلاح؟ فالإجابة، لا. لأن قبوله تم نظاما، وإن رأى النظام أن غير التربوي لا يقبل، فليتغير النظام ويطبق على مستقبل الوظائف لا ماضيها مع وضع آلية للتسكين والمواءمة. وهكذا على نفس هذا السياق. وأيضا، توفير التدريب اللازم بناء على احتياجات المعلم يعكس مبدأ التمكين. إن هذين المفهومين: التمكين والعدالة، هما أساس نجاح الاستراتيجية مهما كانت صعبة، لأنها تحقق القبول والمصداقية لدى الميدان التربوي، بالإضافة إلى بعض القيم والمبادئ التي سأذكرها لاحقا». الرخص المهنية يكمل طيبة «الخطوة القادمة هي الرخص المهنية لشاغلي الوظائف التعليمية. الرخصة ما هي إلا أداة تثبت مستوى الأداء وفق المعايير المهنية، وليست أداة للفصل أو المحاسبة أو العقوبة. الرخصة استراتيجيا هي أداة تحوُّل لنقل كل مَن يحقق المعايير إلى نظام موازي جديد، ودعم غيرهم للانتقال تدريجيا، وتطبيق الأنظمة والسياسات الجديدة المطبقة على شاغلي الوظائف التعليمية للحاصلين على الرخصة. فكأنك أنشأت نظاما مثاليا جديدا داخل النظام الحالي، ونقلت إليه من تحققت بهم الشروط تدريجيا، ودعمت غيرهم للانتقال. الرخصة تحقق أيضا مفهومي التمكين والعدالة. فالتمكين من خلال توفير أدوات الدعم والمساعدة الفردية والموجهة لشاغلي الوظائف التعليمية حسب احتياجاته، فلكل معلم احتياجات خاصة من التطوير والتدريب والدعم وغيرها، وعلى النظام إيجاد سبل التعرف على الاحتياج الفردي من تدريب أو غيره، ونظام الرخص المهنية يحقق ذلك، وعلى النظام توفير التدريب اللازم لدعم وتمكين وتطوير المعلم. والعدالة من خلال توظيف برامج الحوافز والتمييز بين الأداء. وهذه بالنسبة للمعلمين تحديدا اليوم نقطة حساسة جدا، فالكثير يجتهد ويتعب ويحصل على نفس الحوافز التي يحصل عليها زميله الذي لا يؤدي نفس الجهد. ويتم تطبيق نظام الرخصة بصورة تدريجية على مدار 7 إلى 10 سنوات. وهذه هي المدة الزمنية العلمية والمتوقعة للتمكن من تطبيق نظام الرخص المهنية على أكثر من نصف مليون معلم ومعلمة. إضافة إلى أن خطة تطبيق نظام الرخص المهنية تدريجية، لا بد أن تكون اختيارية في فترتها الأولى، وتهدف إلى ترخيص أفضل المعلمين والمعلمات أداء من جميع مناطق المملكة بنسبة لا تقل عن 2% من المعلمين والمعلمات، وذلك يحقق الهدف الاستراتيجي من الرخصة كأداة تحول. إن هذه النسبة هي ضمان لاستدامة برامج الجودة من خلال تأسيس بنية تحتية بشرية قادرة على نقل المعلومة والمساهمة في برامج الدعم والتمكين الخاصة بشاغلي الوظائف التعليمية». مؤشر قياس يتم تحديد المسح الميداني بمحددين أساسيين في العملية التعليمية وهما: متوسط أداء شاغلي الوظائف التعليمية حسب المعايير المهنية الوطنية (الواقع)، والفجوة أو الديلتا عن الأداء المأمول وفق المعايير المهنية (المأمول). فيصبح مؤشر قياس صناعة مهنة التعليم هو تقليص الفجوة بين المحددين (الواقع والمأمول)، أو حتى رفع متوسط أداء شاغلي الوظائف التعليمية عن المستوى المعيار المطلوب. لأنه مؤشر النجاح الرئيس لجميع عمليات رفع الجودة وصناعة مهنة التعليم. ويأتي أثر مبادرات تدريب المعلمين في رفع المتوسط. خطة تشغيلية يؤكد طيبة أن «تحديد مدة الفترة التجريبية يعتمد على نسبة المعلمين المحققين للمعايير المهنية، وأقترح أن تكون عامين. ويشترط مع بداية هذه الفترة أن يتم توضيح آليات وشروط وتواريخ الترخيص المهني لكل معلم حالي وجديد، فيصبح لكل معلم فترة لا تقل عن 3 سنوات - وتصل إلى 6 سنوات - لتحقيق الشروط والمتطلبات للحصول على الرخصة. وأيضا، من باب العدالة، السعي لبناء منظومة متكاملة للتقويم. فمثلا، لكي يُقيم معلم على أدائه في استخدام التقنية، لا بد أن توفر إدارة التعليم التقنية في المدرسة، ويمكن التحقق من ذلك من خلال نتائج تقويم أداء إدارات التعليم أو الأداء المدرسي، كما سيتم النظر إلى التكليفات الإدارية وغيرها لمراعاة حجم العمل، وغيرها من الظروف التي تؤثر في أداء المعلم، فلا بد أن تُركز الاستراتيجية على دعم الأداء وتقييمه. تفاصيل إضافية يشدد طيبة على أن هناك «تفاصيل كثيرة في الاستراتيجية لم يذكرها، كالأنظمة التابعة للمعايير، آلية المواءمة مع الرحلة المهنية، مفاهيم التسويق والاتصال الإعلامي، البرامج والمبادرات التي تُقربنا من الميدان، بناء الخبرات، آليات اختيار فريق العمل وإدارتهم، شروط ترشيح الأخصائيين والخبراء والمستشارين، اللجان الداعمة والدائمة، حوكمة العمليات، اللوائح والأنظمة المساندة، وغيرها». إصلاح التعليم يرى طيبة أن «أثر الاستراتيجية سيحقق إصلاح التعليم بطريقة علمية وعملية، فشاغلو الوظائف التعليمية هم حجر الأساس لتطوير التعليم، وهذه الخطوات الاستراتيجية ستضعنا في مصاف دول العالم العربي في التعليم بحلول عام 2025. وبحلول 2030، سيصبح جميع شاغلي الوظائف التعليمية محققين للمعايير المهنية، وفق نظام متكامل، ومهنة سيتسابق إليها أفضل 30% من خريجي المرحلة الثانوية. وتكلفة تطوير هذا النظام أقل من 100 مليون ريال تصرف للخمسة أعوام الأولى فقط، وبعد ذلك يتم تغطية تكاليف النظام وبناء برامج الدعم والتمكين من خلال رسوم الرخص المهنية التي لا تتجاوز 500 ريال كل 3 سنوات. لكن تكلفته الحقيقية هي في الآثار المترتبة على جودة أداء شاغلي الوظائف التعليمية. وكما أن تطوير مهنة التعليم عملية متكاملة ومترابطة، فإن تحقيق مهنة التعليم يتطلب أعمالا تحولية على جميع عناصر التعليم من مدرسة وإدارة تعليمية ومنهج ونظام تعليمي. وأساسها، إن بُنيت الثقة مع العاملين في التعليم، فإن كل العناصر الأخرى ستتحقق».