لم يكن السيد / «وافي» حالة شاردة، وهو يحدثني عن طموحه قبل عامين!!، حين اختلطت عنده المفاهيم واهتزت لديه القناعات، وهو يرى بعض فئام المجتمع يخوض منافسة شرسة، وسباقا محموما، وصراعا بغيضا، يشرخ القيم، ويهرق ماء الحياء. لم يكن وافي حالة فريدة، بل هو ظاهرة صارخة مستفزة، ظهرت مؤخرا، واتسعت حتى ضاق بها المجتمع، ونفرت منها النفوس السوية، يخبرني وافي كيف سيطرت عليه الفكرة، وكيف أخذ يفتش في زوايا التاريخ الخاص علّه يجد قصة محكية ولو ضعيفة السند يتكئ عليها مثل غيره، ليركب الموجة ويتخطى الرقاب، ويختطف الخطاب، ويستميت ليكون رأسا بلا لسان ولا أسنان!! ليس مهما أن يكون حكيما، ولا عاقلا حصيفا، ولا شيخا مسنا، ولا حاصلا على درجة علمية عالية، هذه المعايير المهمة واللازمة بالضرورة، تم تجاوزها والقفز عليها، عليه فقط أن يخلع لباس الحياء، ويتجرد من مكارم الأخلاق، فلا يقيم وزنا لذي شيبة، ولا اعتبارا لذي فضل، عليه فقط أن يردد مع نفسه العبارات التقليدية السائدة في مناسبات الفرح والترح ويحفظها جيدا عن ظهر قلب وإن كانت جوفاء، ثم يرسلها قبل غيره حينما تسنح الفرصة، ليكون سيدا وبطلا لا يشق له غبار!! يخبرني وافي كيف انساق خلف هذه الفكرة الساذجة وكيف بدأ يُعد نفسه لخوض المنافسة في حضرة الجهل وغياب الحد الأدنى من الوعي، كان سحر الوجاهة الزائفة وعشق الظهور يسريان في دمه، كان لا بد من صوت قوي يعيده ولو قسرا إلى صوابه... كان وافي في حالة من المراجعة وهو يصف مشاعره ذات يوم حينما استوى جالسا في صدر المجلس مع رفاقه الحُفاظ!! ودخان البخور يغطي المكان ويحجب الوجوه، فلما انقشع، بدأ وجه المعلم المربي الفاضل يجلس حيث انتهى المجلس يرمقه بين الحين والحين، يرسل سهام التعجب والدهشة والعتب، ماذا علمتك يا وافي قبل الحرف؟؟، قبل أن أعلمك حدود الوطن علمتك كيف تعرف حدودك!! ماذا علمتك يا وافي قبل الحرف......؟ لم يحتمل وافي مزيدا من النظرات المحملة بالرسائل القاسية، فقام على الفور إلى المعلم وقبل رأسه ويده وأخذه إلى مكانه في المقدمة، وأقسم له أنه ما نسي الحدود وما غابت عنه القيم، غير أنه انجرف مع تقليعة (الحُفاظ) طلاب الوجاهة، حين اختلطت عنده الأوراق، وقال: لن أجري مجددا خلف السراب.