إثر تولّي المملكة صناعة الكسوة عام 1962، اتجه كثيرون في القاهرة لعمل مشابه، ومنهم شوقي القصابجي الذي ركز عمله بورشته بشارع خان الخليلي، على تطريز القماش بالآيات القرآنية والأدعية، وهو فن عرف ب«السيرما»، لكن قديما كان يطلق عليه «القصابجي» أو «القصبجية». أقمشة سوداء منقوشة بآيات قرآنية بلون ذهبي، يصل عمر عدد منها لأكثر من نصف قرن، تغطّي جدران ورشة بأحد أزقّة حيّ خان الخليلي الشهير وسط العاصمة المصرية القاهرة. وداخل الورشة، يجلس أحمد شوقي القصابجي ممسكا بإبرة وخيط، ليوشّح قطعة من القماش الأسود بأدعية أعادته إلى سنوات مضت قضاها والده وجده في صناعة كسوة الكعبة المكرمة، ضمن نشاط كانت تعرف به مصر سابقا، قبل أن يتحوّل إلى فن «السيرما» أو الكتابة على القماش الذي تشتهر به البلاد. كتابة التاريخ في حي خان الخليلي المعروف بمعالمه التاريخية وشوارعه المزدحمة، يسترجع القصابجي (وهو رجل خمسيني) عهدا قريبا كانت خلاله كسوة الكعبة قبلة المسلمين تصنع بأنامل مصرية، وتوشّح بالخيوط الفضية والذهبية، لترسم آيات قرآنية كريمة بخطوط مثيرة للإعجاب. القصابجي قال، إن هذا اللقب لا يعود لعائلته، لكنها عرفت به لعملها سنوات طويلة بنقش وتطريز الآيات القرآنية. يسترجع القصابجي الحفيد ذكريات جده في مهنة صناعة الكسوة، بتفاصيلها التي نقلها إليه الأخير، وقال: إن جده كان يسكن بأحد شوارع خان الخليلي، وينتقل بحصان يمتلكه، وأضاف مبتسما وهو يتحدث عن جده الذي قيل إنه كان يحمل عصا كبيرة يعاقب بها كلّ عامل يخطئ في عمله: «أفتخر بعمل جدي وأبي، فلقد كتبوا التاريخ». شوكت حفيد ثان للجد القصابجي، يتذكر بدوره، ما سمعه عن خطوات صناعة كسوة الكعبة قائلا: «الأمر كان متعبا ويستغرق وقتا طويلا جدا». وأضاف: «صناعة الكسوة كانت تستمر على مدار العام، وتستخدم فيها خيوط من الذهب والفضة والحرير، ويحصل العامل فيها على جنيهات قليلة، غير أن قيمة الجنيه كانت وقتها مرتفعة للغاية». حسب شوقي، يقوم خطاط بكتابة الآية المراد نقشها على ورقة بمساحة القماش، قبل ثقب مكان الحروف، وطباعتها عبر بودرة بيضاء اللون على قطعة القماش، ثم وضع ورق مقوى مماثل للحروف، وبدء غزل تلك الحروف بالخيط. وتابع أن «عملنا يحتاج تركيزا ودقة عالية كي نخرج بمنتج جيد قد نستغرق أياما للحصول عليه، حفاظا على سمعتنا التي ورثناها عن جدي». دقة وصبر الحرفي أوضحت أستاذة تاريخ الفن والعمارة الإسلامية، الأكاديمية المصرية، هبة نايل بركات، أنّ «السيرما» تعدّ صناعة يدوية تاريخية لها مكانة خاصة في الوطن العربي، وكان لها الشرف أن يزين بها كسوة الكعبة الشريفة على مر العصور. وأشارت هبة، إلى أن حرفيي «السيرما» كانوا يفتخرون بعملهم الذي يزيّن بيت الله الحرام. ووفق هبة، فإن «السيرما تعتمد كليا على الدقة وصبر الحرفي المتمرس، فهو يرسم بدقة التصاميم ويكونها على كرتون مقوى في شكل لوحة قبل البدء في التطريز». وفيما يتعلّق بأبرز الموضوعات الفنية التي يعبر عنها فن السيرما، ذكرت أن الفنان يهتم بنسخ الآيات القرآنية، وأبيات كتابية كالشعر والأحاديث، ونموذج أسماء الله الحسنى. ولفتت إلى أن هذه الصناعة اليدوية تألّقت في العصر العثماني بمصر وإسطنبول، حيث أصبحت تزين أزياء ملكية وفساتين النخبة، كما كانت تستخدم في ملابس وجداريات الكنائس القبطية بمصر.