الحراك الاجتماعي بين طبقات المجتمع هو الذي يبعث فيه الحيوية والتجديد وبالتالي يبقيه على خط النماء الصاعد، وقد كان برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي هو البداية الحقيقية لهذا الحراك، فقد استهدف جميع طبقات المجتمع وأوجد التنافس بينهم لكي يكون البقاء للأصلح. فكانت نتيجته حراكا اجتماعيا كبيرا على المستوى الوعي والإدراك والتفهم والتعايش، ناهيك عن الجانب العلمي الذي ظهر في تميز الكثير من المبتعثين في تخصصاتهم، وظهر أثرهم في القطاعات التي انخرطوا فيها بعد عودتهم للبلاد. هذا الحراك حرك الجمود الاجتماعي الذي كنا نعيشه، وكان المنتفعون به هم الطبقات الثرية في المجتمع والقادرين على ابتعاث أبنائهم للحصول على تعليم عالٍ، وبالتالي عند عودتهم يتولون المناصب بحكم شهاداتهم، فيما الكثير من الشباب كانوا يحصلون على تعليم محلي لا يؤهلهم لمقارعة أصحاب الشهادات العالمية العليا، فيكون نصيبهم الوظائف التنفيذية. برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي أوجد هذا الحراك، وأتاح الفرصة لجميع أبناء الوطن للحصول على ما يستحق حسب إمكاناته وقدراته، وبالتالي تسرب جزء كبير من الشباب لمنافسة الطبقات الثرية، فظهرت صيحات الألم والتحذير. ولم يكن مستغربا أن نشاهد التناقض لدى كثير من هذه الطبقة، فتجده أول المحذرين من هذا البرنامج وبعدها بأيام يحتفل بتخرج ابنه من جامعة غربية بشهادات عليا. وكان العزف على وتر أخطاء الحالات الفردية وتصويرها وكأنها خطأ البرنامج هو السائد، والأسوأ هو افتعال إحصاءات وتقارير كاذبة لإعطاء مصداقية لطرحهم، بينما كان يفترض على المنصف، وهو يشاهد إيجابياته، أن يحدد أخطاء البرنامج والحلول لها. وخلال المراجعات الأخيرة والتعديلات التي أجرتها وزارة التعليم، تم تلافي الكثير من السلبيات في البرنامج وإصلاحها، ولكن تم خنق البرنامج كثيرا وتقليصه بدرجة كبيرة لم يعد بها قادرا على إيجاد الزخم الذي أوجده في البداية. نظام الابتعاث الخارجي للجميع، ويفترض أن يستفيد منه الجميع لإعطاء فرصة للكفاءات من الشباب بإخراج ما لديها من قدرات وتطويرها، فالوطن للجميع بلا استثناء.