كان ومازال مشروع الابتعاث من أهم الخطوات التي اتخذت في مسار التعليم في المملكة، حيث أتاح الابتعاث الفرص الكبيرة والثمينة للشباب للحصول على فرص ذهبية في التعايش مع تجارب المجتمعات الأخرى في طرق التعليم العالي لديهم، والتنوع التخصصي الذي سيؤهل الشباب المبتعث لإتاحة التنوع في سوق العمل المحلي في وطنه، من خلال تخصصه فيما يحتاجه الوطن من مجالات جديدة برعت فيها المجتمعات الغربية، وعلى الرغم من النجاح الذي برهنته تجربة الابتعاث في تحقيق نسب نجاح كبيرة للذين ابتعثوا؛ إلا أنّ هناك من الشباب من أصبح يتخذ من «الابتعاث للخارج» وجاهة اجتماعية وموضة أصبحت موجودة ومتاحة للجميع، يرغب من خلالها أن يسافر ليجرب طعم الحرية، والحياة المتنوعة في المجتمعات الأخرى، وحتى يحصل على لقب خريج جامعة أجنبية أكثر من كونها نظرة جادة للمستقبل الذي يرغب أن يحقق من خلاله الحلم الكبير بأن ينجح ويعود ليخدم وطنه الذي أتاح له تلك الفرصة الذهبية، فهناك من الشباب من ابتعث وفشل بسبب عدم جديته في الدراسة، فالابتعاث لديه فرصة تغيير لمكان أكثر من كونها مستقبلا مسؤولا عن إيجاده، وربما أصر بعض الطلاب للخروج من جامعته التي التحق فيها في داخل الوطن ليبتعث وليقال عنه بأنه خريج «أمريكا» مثلاً، فهل حقاً هناك من يبتعث رغبة في الوجاهة واعتبارها موضة الدراسة لدى الشباب؟ وإذا كان ذلك غير صحيح ما سر فشل البعض لأكثر من مرة في تعليمه خارج أرض الوطن حينما يبتعث؟ هل الخلل في اختيار تخصص الابتعاث؟ أو في الخلفية الثقافية والاجتماعية التي لاتبني قواعد جيدة لدى الأبناء من الشباب في النظر إلى المستقبل وإلى فرصة الابتعاث الذهبية بطريقة أكثر جدية؟ ويرى البعض أنّ الابتعاث مشروع كبير لابد أن يدرك الطالب المبتعث مدى مسؤوليتها بشكل حقيقي أكثر من النظر إليها على أنها وجاهة اجتماعية أو موضة لابد أن تتبع، في حين يصر البعض على أنّ هناك من الطلاب من لديه أرضية علمية غير متناسبة مع مشروع الابتعاث؛ نظراً لضعف المستوى فيصر على السفر للابتعاث لمجرد أنّ أصدقاءه سنحت لهم الفرصة للسفر والنجاح، في حين رفض البعض اعتبار الابتعاث إلى الخارج هو كل شيء في التعليم واقتناء الفرص؛ فوجدوا أنّ من لديه حلمه الخاص الذي يصر على تحقيقه فسيجده أيضاً في جامعاتنا المحلية وربما حقق البعض مالم يحققه المبتعثون خارجاً. كل من تخرج من الثانوية أو الجامعة قال «بدرس برا» دون أن يكون لديه «ثقافة الغربة» ووجهة التخصص فرص متكافئة ورأى «خالد الجريسان» أنّ الابتعاث مشروع هام جداً في التعليم داخل المملكة، وأتاح تكافؤ الفرص أمام الطلاب جميعاً بصرف النظر عن المقدرة المالية التي تتميز بها أسرة طالب دون آخر، ففي السابق كانت أسر الأثرياء هي فقط من تبتعث أبناءها للدراسة خارج المملكة؛ إلا أنّ هذا المشروع الضخم والهام أتاح تكافؤ الفرص أمام جميع أبناء وبنات الوطن؛ إلا أنه يرى أنّ هناك من الشباب من يعتبرها وجاهة اجتماعية وفرصة للتحرر من قيود المجتمع أكثر من كونها مشروعا مستقبليا هاما، فقد التقى بشباب سعوا كثيرا للابتعاث حتى إن منهم من رفض قطعياً التقديم على جامعة داخل المملكة، وأصر على السفر؛ إلا أنّ حديثه في الغالب كان يدور حول «الجينزات» التي لابد أن يشتريها ونوعها ومن أي الماركات لابد أن يقتنيها، وعن العالم الذي سيلتقيه في الخارج ومدى المباحات التي من الممكن أن يجدها، وعن البلد والبعد عن محيط الأسرة وربما تخلل حديثه بعض التعليقات البسيطة عن الدراسة أو التخصص، ولذلك فإنّ غالبية هؤلاء يفشل ويحرز فشلاً ذريعاً في تعليمه الخارجي. تجارب وأشار إلى إصرار من يفشل في الابتعاث على مواصلة ذلك الفشل خاصة حينما يألف المكان والحياة في الخارج فإنه يسيؤه أن يعود إلى موطنه، فيحاول أن يجد السبل دون جدوى وربما مثل هؤلاء لايفشلون في تلك البعثة فقط بل ربما لم يستطيعوا اكتساب اللغة بالشكل الجيد أيضاً، مشيراً إلى أنّ الابتعاث قد يكون فرصة جيدة لكنها ليست بالضرورة أن تحقق الفرص الوظيفية المضمونة بعد العودة، فالتجارب أثبتت بأنّ غالبية المبتعثين العائدين من الخارج يعانون في الحصول على وظيفة بعد العودة وربما لايوجد سوق العمل الذي يستوعب بعض التخصصات التي درسوها. التعليم والتفوق واتفقت معه «رفعه يوسف» التي تروي حكاية شقيقها مع الابتعاث فكثيراً ماكان والدها يحلم بأن يرى ابنه مختلفاً تعليمياً ومتفوقاً، وذلك مادفع الأب لأن يلحقه في جامعة أهلية عريقة في إحدى الدول العربية تكلف كثيراً في دفع رسومها؛ إلا أنّ ابنه لم يستطع أن يحرز نجاحا كبيرا بها، ففشل وعاد لكنه عاد بفكرة الابتعاث التي أخذت تسيطر على تفكيره، وأصبح يتحدث عن الجامعات الغربية وعن الفرص التي تنتظره من خلال أحاديث أصدقائه، وأصر أن يقدم على الابتعاث على الرغم من النصيحة التي قدمها له أفراد الأسرة بأن يمكث في أرض الوطن ويبدأ من خلال إحدى الجامعات؛ إلا أنّ شقيقها وجد في ذلك إهانة كبيرة وأصر على الابتعاث، فوقف الأب مع ابنه وحفزه على ذلك القرار ثم حصل على البعثة وسافر لأكثر من عامين خلالها كانت مطالبه لاتنتهي في الخارج من رغبته في شراء السيارة الحديثة، والأموال الكثيرة التي تحول له، والأحاديث التي يرويها لأسرته في الهاتف كيف يعيش، وأين يقضي الإجازات آخر الأسبوع وغيرها من الأحاديث. سعد الحسين ابتعاث للمرة الثانية وأضافت: حتى تفاجأت الأسرة بعودته بعد فترة مدعياً بأنها إجازة من الجامعة لمدة ثلاثة أشهر خلالها رفض ارتداء الثوب السعودي، مبدياً تذمره من حرارة الجو وأصر على الحديث الدائم عن المنطقة التي يسكنها وكيف هي حياته، وغيرها من الأحاديث التي كان يتفاخر بها أمام أبناء الأسرة حتى اضطر بعد طول إقامته أن يعترف بأنه فشل في الدراسة وبأنه اضطر للعودة، الأمر الذي أحدث الصدمة لدى والديه وأسرته، لكنه عاد يطلب من والده أن يسافر للخارج لمدينة أخرى وجامعة أخرى ليبدأ من جديد في الابتعاث، وأمام تأثر والده بتوسلاته ابتعثه من جديد على أمل تحقيق النجاح، موضحة أنّ هناك من الشباب من يعتقد بأن السفر للخارج للتعلم يتساوى في الجهد مع الدراسة داخل أرض الوطن فيتخذها بهرجة ووسيلة للتغيير والمتعة أكثر من كونها مستقبلاً لابد أن ينجح فيه. الجدية في التعلم وأوضح «د.سعد الحسين» -أستاذ في جامعة الملك سعود ومشرف برنامج التوأمة العلمية العالمية- أنّ الابتعاث فرصة ذهبية لأبنائنا للالتحاق بجامعات عريقة في الخارج، وهو يخلق نوعا من الحلم لدى أبناء الوطن، فالابتعاث بفضل الجهود المبذولة أوجد فرصة الابتعاث؛ لأنه سيؤتي ثماره يوما ما وذلك لايعني -من وجهة نظره- التقليل من الجامعات داخل ارض الوطن؛ إلا أنّ الابتعاث فرصة لابد من اغتنامها بشكل جيد، مشيراً إلى أنّ الطلاب الذين يعتبرون الابتعاث برستيجاً وفرصة بأن يقال عنه بأنه خريج جامعة أجنبية فإن مثل تلك النماذج من الطلاب موجود حقيقة؛ والسبب في ذلك بأن من يتخرج من جامعة أجنبية ويحصل على إتقان أكثر من لغة فإن ذلك من آثاره الإيجابية الحصول على فرص كثيرة وظيفية لدى الشركات أو البنوك أو المؤسسات التي ستعطي رواتب جيدة، وبالتالي فإنّ من يحصل على راتب أعلى فإنه سيحصل على مكانة اجتماعية أعلى وربما ذلك السبب في جعل طلاب الثانوية ينظرون إلى أن الابتعاث نوع من أنواع البرستيج وفرصة. فشل المبتعث وأوضح أنّ عودة بعض الطلاب المبتعثين والذين حصلوا على فرص وظيفية أكبر من الخريجين الموجودين والذين درسوا في داخل المملكة، مضيفاً: أما من يبتعث ثم يفشل فإن الفشل سنة من سنن الحياة كما النجاح ولذلك فإنه من الصعب الحصول على منتج متكامل، فلابد أن يكون هناك نسبة من الفشل، فحتى من يلتحقون بجامعات سعودية فإن منهم من يتسربون ويخرجون من الجامعة فيبحثون عن مجال وظيفي آخر، معتقداً أنّ من يسافر للابتعاث ثم لايخرج نجاحاً في تلك البعثه بأن ذلك يسمى فشلاً، وإنما هو قرار أكثر من كونه فشلا منهم بأنهم لايستطيعون أن يواصلوا في الدراسة، وبالتالي فإن تلك المدة التي قضوها في الخارج لابد أن تعود عليهم بالمنفعة بشكل أو بآخر، ومن ذلك الاحتكاك بالمجتمعات الخارجية وتعلم ثقافات جديدة، والاطلاع على أنظمة جديدة، فجميع تلك الأمور ستنعكس إيجاباً عليهم إذا عادوا، ولذلك فإن عودتهم دون الشهادة ليس فشلاً ذريعاً، موضحاً أنّ الطالب الذي يخرج من جامعته ليلتحق بالابتعاث، وقد يكون قضى سنوات في تخصص ما فإنّ أمامه خيارين: إما أن يواصل في تخصصه الذي درسه بحيث تحسب له تلك الساعات حينما يلتحق في الجامعة التي سيبتعث إليها في الخارج، وبالتالي هو لم يخسر كثيراً في الوقت، فقد يستفيد من عدد الساعات التي درسها في إحدى جامعات المملكة بنسبة تصل –مثلاً– إلى 60% أما من يغير تخصصه فإنه قد يكون وجد بأن ذلك التخصص الذي درسه في إحدى جامعات المملكة غير مجد له ولا يستطيع الاستمرار به، وبالتالي يبدأ التغيير والتغيير داخل المملكة صعب فيختار الابتعاث. جيل التقنية أما عن حقيقة كون الشباب تنقصهم الخلفية الثقافية والاجتماعية التي تمكنهم من أن يكونوا أكثر وعياً بفكرة الابتعاث والنظر إليها على اعتبارها مشروع حياة أكثر من كونها وجاهة اجتماعية، فيشير «د.الحسين» إلى أنّ طلاب الثانوية في الوقت الحالي يختلفون عن طلاب الثانوية سابقاً فهم جيل «التويتر والفيس بوك» فهم يعلمون أكثر في انتقاء المعلومات من أساتذتهم الذين يمدونهم بالمعلومة داخل الجامعات، ولذلك فيرى بأن وجوده كأستاذ لهم في مدرج الجامعة يتمثل في مناقشة قضية أكثر من كونها تقديم معلومة فالمعلومة أصبحت متاحة من خلال «الأنترنت» فالقوقل قام بجميع المهمة التي من الممكن من خلالها الحصول على المعلومة، فالجيل الحالي أصبح لديه القدرة في التواصل مع العالم الخارجي بقوة، معتقداً أنّ من يفكر من الطلاب للابتعاث لمجرد السفر فإنهم فئة قليلة جداً، مؤكداً على أنّ الطلاب لديهم الوعي والإدراك الكبير والتام لماذا سيجدونه في الخارج وبالتالي القدرة على اتخاذ القرار. أهمية التوعية وأكد «د.الحسين» على أنّ هناك إشكالية في تعاطي الكبار مع الطلاب في المحاولة الدائمة في فرض الوصاية عليهم وذلك مالا يجب أن يكون بهذه القوة، فالطالب الذي يفشل في الابتعاث قد لايكون بسبب المادة المقدمة بل في عدم جدية الطالب في الحصول على التعليم، ومثل تلك النوعية سيفشل في كل مكان حتى في الجامعات داخل المملكة، وفي النهاية لايمكن الحصول على المنفعة دون الشعور بالألم فما يقدم على صحن من ذهب فإنه يؤخذ بنظرة غير جادة، مقترحاً السماح لمن فشل في الابتعاث أن يبتعث للمرة الثانية، ولكن بشروط أقسى من غيره من الطلاب كأن تدفع له تكاليف الدراسة، ولكن دون المكافأة المالية حتى يثبت جدارته.