لا شك أن آفة الفساد منتشرة على مستوى الدول المتقدمة منها والفقيرة، ولا شك أيضاً أن محاربة تلك الآفة مطلب للجميع، كما هو واجب ديني. فمنذُ قرار إنشاء هيئة مكافحة الفساد في عهد المغفور له الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله رحمة واسعة، وذلك لمتابعة قضايا الفساد والكشف عنها في جميع أروقة الوزارات والإدارات الحكومية بدون استثناء، وذلك لمحاربة الفساد وحاجة المواطنين إلى ذلك، وواجب الدولة تجاه كل من تسول له نفسه استغلال نفوذه والسلطة والعبث بالمال العام وسوء التصرف به. وفِي الآونة الأخيرة وأثناء ظهور تلفزيوني لولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أيده الله بنصره في مقابلة خاصة مع تركي الدخيل أقر سموه بعدم رضا خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده عن أعمال هيئة مكافحة الفساد والقيام بواجبها الذي أنشأتها الدولة من أجله، وقد أقر الأمير محمد بن سلمان بوجود الفساد الإداري والمالي، وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على واقعية سموه والحرص والرغبة منه مع العزيمة على محاربة هذا الوباء، والعمل على وضع الخطط العلاجية للحد من نسبة هذا الفساد ومحاربته، وذلك بتخصيص بعض القطاعات الحكومية، وجعل الشعب والمؤسسات الدولية هم من يراقب هذه الأعمال، وهو أي الشعب من سيقوم بمحاسبة هذه الشركات أو المطالبة بذلك. وقد أصاب محمد بن سلمان القول، وكان يعي ويقصد ما يقول. وفِي المقابل من ذلك لم يدرك كثير من المسؤولين حقيقة جدية الحزم الذي تمر به الدولة في هذه الفترة، وأن المسؤول أصبح تحت المجهر، وليس بمأمن من المساءلة كائناً من كان. حتى جاء اليوم الذي بزغ فيه نور هيئة مكافحة الفساد فعلياً وملموساً، بعد نحو عدة سنوات من إنشائها، ولاح في الأفق شعاع نورها، وذلك بعد الرفع للمقام السامي بثبوت تجاوزات أحد موظفي الدولة من الدرجة الممتازة باستغلاله للسلطة والانتفاع لمصالحه الشخصية بواسطة نفوذه الوظيفي، وإعفائه من منصبه. وللعلم، فلَم يكن إعفاء ذلك المسؤول بجهود تقصي ومراقبة الوزارات من هيئة مكافحة الفساد. بل كان ذلك بجهل المسؤول بالخطر المحيط به والذي يكمن في وسائل التواصل الاجتماعي وانتشار تجاوزاته بشكل سريع وواسع على نطاق واسع بين شريحة كبيرة من أفراد المجتمع، مما دعا أحد المواطنين إلى التقدم بشكوى رسمية لرئيس هيئة مكافحة الفساد بشكل مباشر، يطلب فيها التحقيق في تجاوزات ذلك المسؤول بالإثبات والبرهان. فلم يكن ذلك الإنجاز في كشف ذلك التجاوز والفساد من محض الصدفة أو الاجتهاد في أعمال هيئة مكافحة الفساد، بل إن الأمر فرض عليها فرضا، بانتشار تلك المخالفة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولَم يكن تحركهم من تلقاء أنفسهم رغم ذلك، بل كان مبنيا على شكوى تقدم بها أحد المواطنين. ولم يكن أيضاً الأمير محمد بن سلمان يتحدث أثناء المقابلة المشار إليها سابقاً من فراغ، فعدم الرضا عن أعمال هيئة مكافحة الفساد هو سبب تغيير رئيسها السابق، والعزم على تعيين من هو قادر على البحث والتقصي عن الحقائق والكشف عن قضايا الفساد والرفع بها مباشرة للمقام السامي بعد التحقق والتوثق من صحتها. والجدير بأعضاء هيئة مكافحة الفساد رئيساً وأعضاءً أن يدركوا جيداً هذه المرحلة التي نعيشها، من الحزم من قبل القيادة الرشيدة، وعلى رأسها الملك سلمان بن عبدالعزيز، وكذلك الشفافية والتي تكون في سرعة انتشار المعلومة بين أفراد المجتمع. ومن المفترض أيضاً في هيئة مكافحة الفساد في حال ظهور ما يثبت حالة فساد في أوساط المجتمع المبادرة في التثبت والتحقيق في ذلك، ولا تنتظر أن يتقدم أحد المواطنين بشكوى حتى تبادر بالتحقيق في ذلك. وقد تعرضت أعمال الهيئة بعد تأسيسها للنقد في كتابات سابقة، وكنت أعني ما قلت، فقد كانت أعمال الهيئة على استحياء في تناولها لقضايا الفساد في المجتمع، رغم التوعية المجتمعية التي انتشرت في ذلك الوقت. كما تناولت أعمالها التوعوية في ذلك الوقت. رسالة لرئيس وأعضاء هيئة مكافحة الفساد: قد أمنتم في مناصبكم هذه على رعاية معاملات أفراد المجتمع مقيمين ومواطنين، ومحاربة ظواهر الفساد الإداري والمالي، وقد تشرفتم بمنحكم ثقة ولاة الأمر، وأنتم بإذن الله خير من وثق بهم. عليكم المبادرة في كشف ظواهر الفساد ومحاربتها في أوساط المجتمع، دون انتظار بلاغات المواطنين، وجعل تلك البلاغات مجرد معين لكم على عملكم. وأن تحرصوا على نيل ثقة المواطن مع ثقة ولاة الأمر، فهذا أكبر شرف لكم. فضمان بقائكم في مناصبكم بقدر تحقيقكم للأهداف المرجوة من عملكم. والله نسأل العون منه لكم على تحقيق ما يصبو إليه ولي الأمر في خدمة الدين ثم المليك والوطن.