أحدث إعلان تأسيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ردة فعل اكتسحت البلاد، واستبشر بها كل مواطن غيور على مكتسبات الوطن ومقدراته، وبات من في قلبه مرض يتوجس من السلطات النافذة التي منحت لهذا الجهاز والمنتسبين إليه؛ إلا أنه مع الوقت تكشف للمجتمع بشكل عام أن دور الهيئة أقرب ما يكون إلى الدور التوعوي الإرشادي أكثر منه في مجال مكافحة الفساد وتقصي المفسدين، وبالتالي لكي تمارس الهيئة دورها المناط بها يستلزم أن تعيد النظر في آلية التعاطي مع الجمهور، وتعيد طرح وتسويق رسالتها السامية بما يتوافق مع الأهداف التي أسست من أجلها، وتؤصل لدى كافة أطياف المجتمع طبيعة رسالتها المتمثلة في كونها جهة رقابية ذات سلطة مستقلة مرتبطة بالملك مباشرة وفقاً للأهداف المرسومة لها والتي ترمي إلى حماية النزاهة، وتعزيز مبدأ الشفافية، ومكافحة الفساد المالي والإداري بشتى صوره ومظاهره وأساليبه. وجاءت كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -رعاه الله- لدى استقباله كبار المسؤولين والمهتمين بمكافحة الفساد في القطاعين العام والخاص متضمنة إجماع المملكة على مكافحة الفساد انطلاقاً من تعاليم الكتاب والسنة وأن أكبر محارب للفساد هو تطبيق الشريعة الإسلامية مع توجيه للجميع بالإبلاغ عن أي شيء يضر بالمواطن والوطن. والواقع الحالي لتطبيقات عمل الهيئة يبين أن جزءا من المهام المناطة بها تتداخل بشكل مباشر مع مهام واختصاصات جهاز "المباحث الإدارية" التابع للمباحث العامة المرتبطة إدارياً بوزارة الداخلية والتي تنصب مهامها على البحث والتحري عن المخالفات والتجاوزات الوظيفية وكشف ممارسات إساءة استعمال السلطة واستغلال النفوذ الوظيفي وقبول الرشاوي أو الهدايا لقاء القيام بأداء الخدمة العامة، ويتولى رجال الضبط الجنائي في جهاز المباحث الإدارية كافة إجراءات الاستدلال والاستجواب والتقصي للمتهمين وسماع أقوال الشهود وجمع الأدلة عن البلاغات والإخباريات التي تردهم أو ما يحال للمباحث من ملاحظات من جهات حكومية، كما أنها تمارس سلطة الاستيقاف للمتهمين. وعمل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد أتصور أنه سينجح بشكل كبير ويكون فعالاً ومنتجاً على أرض الواقع وسيتشكل للجهاز صورة ذهنية إيجابية وهيبة ووزناً لدى كافة أطياف المجتمع يماثل ما يناظره من أجهزة الرقابة وتقصي الفساد في العالم في حال تم سلخ جهاز المباحث الإدارية عن المباحث العامة وربطها إدارياً بهيئة مكافحة الفساد لتكون الذراع الميداني الذي يمارس سلطة الضبط في حدود اختصاص الهيئة التي تتولى استكمال إجراءات التحقيق في حدود مهامها واختصاصها، وإعداد لوائح الاتهام في حق المتهمين المدانين في القضايا التي تباشرها الهيئة. كما أن كل غيور على وطنه يتطلع إلى أن تسعى الهيئة لتطبيق مبدأ "من أين لك هذا" على كافة المتنفذين في مؤسسات الدولة ومن دونهم فإعمال هذا المبدأ بجد وشفافية ومصداقية سيحد من الفساد الإداري الذي أصبح حقيقة لها وجود في قطاعات ومؤسسات ليست بقليلة فالفساد الإداري طفح على السطح ومن أجل مكافحته أسست الهيئة.