لا يخفى على القارئ الكريم الفوائد الصحية لرياضة المشي، وكيف أن للمشي دورا كبيرا في تحسين صحة القلب وأعضاء الجسم، ويقلل من حدة التوتر النفسي، ويحد من خطر الإصابة بالأمراض المزمنة، كالسكري والسمنة والقلب، كما أكدت بعض الدراسات الحديثة أن رياضة المشي تفرز هرمونا يشعر به الإنسان بالراحة والسعادة، وفي هذا المقال سنستعرض شيئا يسيرا عن رياضة العباقرة والعظماء. أشهر الذين عُرفوا برياضة المشي في العصور القديمة هو الفيلسوف الإغريقي الشهير أرسطو، فقد كان أرسطو يحب المشي، ولا يحب أن يلقي محاضراته إلا وهو يمشي مع تلاميذه، ولذا سموا تلامذته بالمشائين أو الفلاسفة المتجولين، وسميت فلسفته كاملة بفلسفة المشائين أو فلسفة المتجولين. أما أشهر الذين عرفوا برياضة المشي في العصر الحديث، هو الفيلسوف الألماني إيمانويل كانت، فقد عُرفت عنه الدقة في برنامج المشي، لدرجة أن الناس وقتها كانوا إذا رأوه مغادرا منزله ضبطوا ساعاتهم على الرابعة والنصف مساء، لأن هذا هو موعد الفيلسوف للتنزه!، واليوم ترى في مسقط رأسه «كونسبرج، مَعلما سياحيا مهما يؤمه السياح ويقصدونه من بقية المدن الألمانية وأوروبا يسمى»نزهة الفيلسوف«، وهو المكان الذي كان يتنزه فيه إيمانويل كانت برياضته المشي! أما عبقري الفيزياء، البروفيسور ألبرت آينشتاين، فقد روى الأستاذ محمد حسنين هيكل أنه عندما قابله في منزله عام 1952، جلس في مكتب آينشتاين وقال له ممازحا: إنني أشعر الآن من وراء مكتبك أنني عالم كبير ملم بأسرار الكون، فرد آينشتاين ببساطة: لم تخطر لي فكرة ذات قيمة وأنا جالس إلى مكتبي، أهم ما خطر على فكري قد خطر لي وأنا أمشي بين الشجر!. وقد روى الأستاذ هيكل كيف أن آينشتاين طلب منه مرافقته في المشي، وكيف أن هذه العادة انتقلت إلى الأستاذ هيكل، وأصبحت جزءا أساسيا من برنامجه اليومي، ولعل مقولة آينشتاين هذه تذكرني بمقولة شهيرة للفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو، عندما يقول: لا يمشي رأسي إلا مع رجلي!، فقد كان روسو يحب المشي لدرجة أنه سمى الكتاب الذي حوى مذكراته»يوميات رجل متنزه»، فقد كان يحب أن يقطع غابات فرنسا سيرا على قدمه، فكان برنامجه اليومي مقسما إلى نصفين: صباحه وبقية يومه، فكان يقضي صباحه ليقتات عيشه من نسخه النوتات الموسيقية، أما بقية يومه فكان يقضيه ماشيا، ولذا قال المؤرخون الذين ترجموا عنه: إن غابات مونمورانسي غدت مكتبا فسيحا لقلمه! أما الأستاذ نجيب محفوظ، فلم يتوقف عن رياضة المشي حتى بعد أن اقترب من سن الثمانين، فهو يستيقظ يوميا في الصباح الباكر، ويخرج إلى الشارع في السادسة والنصف ليمشي ساعة كاملة يوميا، وقد أصيب نجيب محفوظ بمرض السكر، وهو مرض له متاعبه الكثيرة على جسم الإنسان، ولكن نجيب محفوظ واجه هذا المرض بالصبر والدقة والنظام، واعتمد على إرادته القوية بالالتزام الكامل ببرنامج المشي اليومي الذي فرضه على نفسه! وأما عملاق الفكر العربي عباس محمود العقاد، فقد عُرف عنه هو الآخر ببرنامجه الدقيق في المشي، والذي كان لا يعزف عنه مهما كانت الظروف. وأما أمير الشعراء أحمد شوقي، فكان يستعمل المشي كأداة تساعده على نظم الشعر، فكان يمشي حول العمارة التي يقطنها، ثم يعود إلى كاتبه كل بضع دقائق ويملي عليه خمسة أو ستة أو سبعة أبيات، وهكذا يمشي ثم يعود فيملي، حتى تكتمل القصيدة. أما عبقري التاريخ والحضارة الأميركي وول ديورانت، فقد كان يمشي في مزارع مدينة لوس أنجلوس الأميركية ما يقارب الميل يوميا، ولم يتخلّ عن هذه العادة حتى في أواخر عمره الذي انتهى عن ستة وتسعين عاما. وأما الدكتور محمد حسين هيكل، فقد كان منضبطاً في برنامج المشي بصورة عجيبة، فقد كان يقطع المسافات الطويلة وبشكل يومي، لدرجة أنه كان يتعب من يرافقه، ويذكر لنا الأستاذ ثروت أباظه في مذكراته، كيف أنه كان يتعب وهو شاب في مجاراة الدكتور هيكل -الكهل- خلال المشي!